وفق ما رشح عن صندوق النقد الدولي خلال مناقشاته مع الفريق اللبناني المكلّف بإعداد خطّة التعافي، فإن الصندوق يقدّر حجم الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بنحو 15 مليار دولار، أي أن حجم الاقتصاد اللبناني سيتقلّص بقيمة 40 مليار دولار مقارنة مع 55 مليار دولار في نهاية 2018. ورغم أن هذا التراجع يعبّر عن التحوّلات التي ستطرأ على الواقع، إلا أنه يختزل الحقيقة ولا يظهر منها سوى الأرقام. فالناتج المحلي الإجمالي يساوي الاستهلاك الخاص، مضافاً إليه مجمل الاستثمارات، والإنفاق الحكومي، والعجز التجاري.

وبالتالي فإنه رغم التوقعات بأن يزداد الإنفاق الحكومي في السنة الجارية بفعل التعديلات التي طُرحت في مشروع موازنة 2022، ورغم أن العجز التجاري تقلّص إلى حدود كبيرة في السنة الماضية ويتوقع أن يشهد مزيداً من التقلّص بسبب الزيادات الضريبية التي ستُترجم تقلصاً في الاستيراد، فإن الاستهلاك الخاص سيتقلص أكثر، وستستمر حالة شبه انعدام كامل للاستثمارات. وسيترك ذلك ندوباً عميقة في الاقتصاد اللبناني وفي المجتمع المقيم في لبنان. فالاستهلاك مرتبط بالمداخيل التي تدهورت قيمتها الشرائية بشكل حادّ في السنتين الماضيتين، وبالتالي فإن تقلّص الاستهلاك أكثر، بعد انكماش بنسبة 10% في السنة الماضية، وبنسبة 20% في عام 2020، وبنسبة 7.3% في عام 2019، وفق أرقام معهد التمويل الدولي، كلّ ذلك يشير إلى أن الأسر تفقد المزيد من قدراتها الشرائية سواء بسبب الزيادات الضريبية أو بسبب تدهور إضافي في سعر الليرة مقابل الدولار. وهذا يعني أيضاً أن الأسر تفقد جزءاً أساسياً من مقوّمات صمودها. فالكثير منها لا يزال يعتمد على تحويلات المغتربين من أجل الاستمرار في الصمود بوجه الأزمة، لكنّ مفاعيل الأزمة ستبتلع الكثير من قيمة هذه التحويلات، ما يجعل متلقّي التحويلات أمام أزمة من نوع آخر، إذ إن قيم التحويلات لا تعود كافية من أجل تغطية التضخّم في الأسعار. وهذا الأمر يزيد البطالة ويفاقم الطلب على الهجرة. الهجرة ستطاول الشباب بشكل عام، وأصحاب الكفاءات الذين يرون أن لديهم فرصاً في تطوير نمط حياة في بلدان الاغتراب، وبالتالي سيكون البقاء من نصيب الذين لا حول لهم ولا قوّة. وبعد سنوات ستصبح المسألة مرتبطة بالتطوّر الديموغرافي بين فئات المقيمين. وفق حسابات أعدّها الأمين العام لحركة «مواطنون ومواطنات في دولة» شربل نحاس، فإنه وفق سيناريوهات متعدّدة تأخذ في الاعتبار التطورات المحلية والإقليمية والدولية، فإن قاعدة السكان ستطغى عليها شريحة الشباب دون 19 عاماً بالإضافة إلى المسنّين، وغالبيتهم من طبقات فقيرة في لبنان وسورية نزحت إلى لبنان.