بعد وصول الاحتياطات بالعملات الأجنبية إلى مستويات حرجة، بات مجدياً البحث في إمكانية تطوير مصادر مستدامة للنقد الأجنبي من خلال تنمية الصادرات بوصفها عنصراً أساسياً ومؤثّراً في النمو الاقتصادي لأي بلد. في ما يلي سنعرض أبرز الفرص المتاحة لتنمية الصادرات القطاعية استناداً إلى مقاربتَين: - الأولى تعتمد على حسابات مركز التجارة الدولية، والذي في جوهره يعتمد على تقدير الميزة التنافسية للسلع وتطوّر العرض والطلب للسلعة المحدّدة إضافة إلى مستويات الرسوم الجمركية للبلد المستهدف.
- الثانية تعتمد على نظرية التعقيد الاقتصادي التي وضعها باحثون في مختبرات هارفرد.

مقاربة مركز التجارة الدولية (كماً)
مركز التجارة الدولية (ITC) هو وكالة مشتركة بين منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة، ويهدف إلى تطوير القدرة التنافسية للقطاع الخاص، وصولاً إلى زيادة قدرته على التّصدير، والحدّ من تكاليف الصفقات التجارية وترسيخ مبدأ التكامل الإقليمي عبر تدابير تيسير التجارة المؤثرة في قدرة الدولة التنافسية في مجال التصدير.
وبحسب البيانات الجمركية المعتمدة من المركز، فإن عدد السلع المصدّرة من لبنان إلى العالم ( التي يعرّف عنها وفق الكود الجمركي HS 6) يبلغ 2666 سلعة، من بينها أكثر من 600 سلعة ذات ميزة تنافسية ظاهرية تساوي أكبر من واحد (1)، وتقدّر قيمتها الإجمالية بنحو 89% من مجمل الصادرات اللبنانية. ويتصدّر القطاعين الزراعي والتصنيع الغذائي بـ228 سلعة، يليهما قطاع المعدات بـ109 سلع، ثم الملبوسات بـ95 سلعة، وقطاع الكيماويات بـ80 سلعة.
ورغم الميزة التنافسية الظاهرية العالية في العديد من السلع، إلا أن هناك الكثير من المخاطر والشوائب التي تجعل تجارة لبنان الخارجية عُرضة للاهتزاز وعدم الاستقرار، ومن أبرزها:
أ. مؤشّر تركز صادرات السلع، يقدّر مؤشر تركيز الصادرات مدى اعتماد البلد على مجموعة محدودة من السلع كمورد للنقد الأجنبي. تتراوح قيمة المؤشر بين التنويع الكامل (0) وبين الاعتماد الكامل على سلعة واحدة (1). وبالنسبة لتركّز صادرات السلع اللبنانية، يتبيّن وجود نسب تركز عالية مع تسجيل المؤشّر 0.336 في عام 2020. إلا أنه يُلاحظ عدم استقرار هذا المؤشر بالنسبة للبنان. فقد انخفض من 0.214 عام 2016 إلى 0.165 عام 2018 قبل أن يُعاود الارتفاع في سنة 2020.
ب. مؤشر تركّز السلع اللبنانية المصدّرة بحسب دول المقصد، يُبيّن هذا المؤشر تركّز الدول التي تشكّل وجهة الصادرات اللبنانية. كلّما ارتفع المؤشّر وصار قريباً من واحد (1)، كلما زادت مخاطر ارتهان تجارة لبنان الخارجية لسير العلاقات بينه وبين الدول المستوردة منه. وبحسب البيانات الجمركية يتبين أن 48% من السلع اللبنانية المصدّرة لديها مؤشّر تركّز يساوي 0.5 أو أكثر. نحو 18 دولة تستأثر بنحو 81% من صادرات لبنان وفي طليعتها سويسرا ثم الإمارات العربية المتحدة والسعودية.
ج. مؤشّر تركّز السلع اللبنانية المستوردة بحسب دول المنشأ، يفتقر لبنان بشدة للمواد الأولية التي تحتاجها صناعاته وزراعاته على اختلافها. وبحسب مؤشّر تركّز أسواق دول المنشأ يتبيّن أن 52% من واردات لبنان لديها مؤشّر تركّز يزيد عن 0.2. فعلى سبيل المثال بلغ مؤشّر تركز الذهب المستورد 0.32، ويرتفع كثيراً بالنسبة للألماس فيصل إلى 0.95.


في هذا الإطار، يرى مركز التجارة الدولية أنه لدى لبنان فرص سانحة لزيادة صادراته بقيمة تصل إلى 1.4 مليار دولار، ثلثها في قطاعَي الزراعة والتصنيع الغذائي بقيمة 535 مليون دولار (35% من الفرص غير المستغلّة). وتتركّز غالبية هذه الفرص في قطاع الفواكه والخضار الطازجة والمنتجات الغذائية المصنّعة من الفواكه والخضار. يليه قطاع الأحجار الكريمة خصوصاً الذهب والألماس بقيمة 337 مليون دولار (22%)، ثم قطاع الصناعات الكيميائية بقيمة 167 مليون دولار (11%).

التعقيد الاقتصادي (نوعاً)
يُعرّف مؤشّر التعقيد الاقتصادي على أنه مقياس لحجم المعارف الإنتاجية الموجودة في بلد ما من خلال تحليل صادراته ومقارنتها مع صادرات دول العالم. ولاحتساب هذا المؤشّر بالنسبة لأي بلد، لا بدّ من تحديد مكوّنين أساسيين هما: تنوّع المنتجات في صادرات الدولة، ومدى ندرة هذه المنتجات مقارنة بمنتجات الدول الأخرى. ولتفسير العلاقة بين مؤشّر التعقيد الاقتصادي ومستويات الدخل، جرى قياس مستويات التعقيد على الناتج المحلي الفردي للدول لعام 2019، فتبيّن بوضوح أن الدول التي لديها مؤشّر تعقيد عالٍ يكون ناتج الفرد فيها مرتفعاً مقارنة بالدول ذات التعقيد السلبي أو المنخفض.
لدى لبنان فرص سانحة لزيادة صادراته بقيمة تصل إلى 1.4 مليار دولار ثُلثها في قطاعَي الزّراعة والتّصنيع الغذائي


غالبية الدول ذات مؤشر التعقيد الاقتصادي التي لديها أقل من صفر، فيها مستوى دخل أقل من 20 ألف دولار سنوياً، بينما الدول ذات مؤشر التعقيد الاقتصادي الأعلى من 1، يرتفع لديها مستوى الدخل الفردي فوق 20 ألف دولار ليصل إلى 80 ألف دولار.
بالنسبة للبنان، فقد سجّل مؤشّر التعقيد الاقتصادي لعام 2019 مستوى متواضعاً بلغ 0.0446. وهو يقل كثيراً عن المؤشّر المسجّل في 2013 عندما كان يساوي 0.3734. ما يعدّ مؤشراً على تراجع القدرات المعرفية الإنتاجية والنوعية للاقتصاد اللبناني وخلال فترة قصيرة نسبياً.
على أي حال، ما زالت المعارف والتكنولوجيات الموجودة في لبنان واعدة لناحية توفير فرص لا بأس بها من أجل تنويع صادراته وإضافة سلع استراتيجية جديدة. ويمكن استكشاف هذه الإمكانات باستخدام مقاربة السياسة الصناعية المتباينة (Parsimonious Industrial Policy Approach). وبالاستناد إلى هذه المقاربة، يتبيّن أن منتجات قطاع الآلات الصناعية واللدائن في لبنان تتمتع بقدرات عالية لزيادة مستوى تعقيدها الاقتصادي قياساً ببقية السلع في سلّة الصادرات.

* هذا النصّ هو ملخّص لدراسة أعدتها الكاتبة لـ«المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق»