في 5 تشرين الأول، رسمت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي جدول أعمال لمدة 100 يوم قائم على 8 ركائز، تشمل ملفات: الأمن، إطار الاقتصاد الكلّي المالي، الاجتماع، المرافق العامة، دور لبنان على الساحة السياسية، الحوكمة، إصلاح السلطة القضائية والانتخابات النيابية.في الشقّ الأمني تكتفي الخطة بجملة واحدة: «سيطرة الجيش على الحدود لمكافحة عمليات التهريب الداخلية». قبل الانتقال إلى إدارة الأزمة وإطلاق خطّة التعافي بكل ما تتضمنه من إعادة هيكلة مالية وسواها، وتنتهي الخطة بملف الانتخابات النيابية. وتفترض الحكومة أنها تقدر على إنجاز بعض الخطوات في شهر واحد، وقسم آخر خلال ثلاثة أشهر، أما غالبية الملفات فتحتاج إلى ستة أشهر.
استحوذ الشقّ المتعلّق بإجراءات الاقتصاد الكلي المالي، على جزء مهم من جدول أعمال الحكومة خلال 100 يوم. فخلال شهر واحد، ستعلن الحكومة عن الآتي:
- بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتاريخ وصول البعثة إلى لبنان، ثم التوصل إلى اتفاق مع الصندوق حول برنامج تمويلي يسمى «تسهيل الصندوق الممدّد».
- إقرار خطة انعاش اقتصادي فضلاً عن مراجعة قانون الكابيتال كونترول، وإقرار برامج الأمان الاجتماعي من ضمنها التحويلات للأسر الأكثر فقراً والتحويلات الواسعة النطاق (ما سمّي البطاقة التمويلية)
بالإضافة إلى ذلك، هناك إجراءات تزعم الحكومة أنها ستقوم بها في مجالات: التعليم، الصحة، شركات القطاع الخاص، تكنولوجيا المعلومات، الزراعة، الصناعة، السياحة، إدارة الإحصاء المركزي، القطاع العقاري، البيئة، العمل، الكهرباء، الاتصالات، المياه، المرافئ، والحوكمة...
يكاد يكون جدول الأعمال بمثابة خطّة يغلب عليها الوهم أكثر من الوقائع. فحتى الآن عقدت الحكومة خمس جلسات اثنتان منهما قبل نيلها الثقة وخُصّصتا للبيان الوزاري، وثلاثة جلسات فقط يمكن القول أنها خُصّصت لبدء تنفيذ جدول الأعمال الحافل بمشاكل معقدة وشائكة لم تصل إلى خواتيمها، برغم زعم الحكومة أنها قادرة على إدارة الأزمة بكل تفاصيلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
كثافة جدول الأعمال والمواضيع المعقّدة المطروحة فيه، يترك انطباعاً بأن كل ما ورد فيه مبني على تفاهمات سبقت تشكيل الحكومة محلياً وخارجياً، وأن هذه التفاهمات قد تؤدّي إلى «إنجاز» الإجراءات المطروحة. بعض هذه التفاهمات كان بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبعضها كان بين رئيس الحكومة وجهات أوروبية وأميركية. لكن هذا السلوك يعكس انفصاماً بين رغبات السلطة وبين الواقع. فالعوامل المحليّة معرقلة مثلها مثل العوامل الخارجية، وتداخلها يعقّد الأمور أكثر.
حتى الآن ما زال لبنان في مرحلة التباحث التمهيدي مع صندوق النقد الدولي، ولم يدخل بعد في مرحلة المفاوضات


على سبيل المثال، فإن التوصّل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدّولي، هو أمر واحد شديد التعقيد لأنه يبدأ تقنياً وينتهي سياسياً. واتفاق كهذا، يتطلب من الحكومة ممارسة سلطتها القمعية تجاه المصارف انطلاقاً من ضرورة الاعتراف بالخسائر وتوزيعها من دون التفريط بأملاك الدولة. علماً أن المصارف، ترفض لغاية اليوم الإقرار بوجود خسائر في ميزانياتها تمحي رساميلها وتزيد عنها، بينما تفرض خطّة إعادة الهيكلة الإقرار بهذه الخسائر تمهيداً لتوزيعها. طبعاً المعركة الأساسية هي على التوزيع، فالمصارف تُفاوض على استملاك أصول الدولة في مقابل خسائرها، وتهرب من تحمل المسؤولية عن هذه الخسائر كونها أساءت توظيف أموال المودعين لدى مصرف لبنان. وعلى افتراض أنه جرت تسوية هذا الأمر، فإن نقطة الانطلاق لاحتساب الخسائر تبدأ في الاتفاق على سعر صرف موحّد يكون حقيقياً وقابلاً للتطبيق، وهذا أمر ضروري لاحتساب الناتج المحلي الإجمالي لتقدير نتائج سيناريوهات التعافي.
وحتى الآن ما زال لبنان في مرحلة التباحث التمهيدي مع صندوق النقد الدولي، ولم يدخل بعد في مرحلة المفاوضات على البرنامج. والمفاوضات تتطلب تقديم الدولة لتصوّرها انطلاقاً من حساب موحّد للأرقام بما فيه الخسائر والأصول. لكن ما سمعه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بشكل مباشر من ممثلي المصارف خلال جلستين غير رسميتين عُقدتا أخيراً، أن المصارف لا تُقرّ بالخسائر. هذا ما قاله نديم القصّار وسليم صفير له.
هكذا يبدو إجراء «توحيد أسعار الصرف» خلال ستة أشهر، ضرباً من ضروب الخيال. فالشامي والفريق المعني بتحديث خطّة التعافي، ينشغلون في تحديد أرقام الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يتطلب أيضاً الاتفاق على معدل سعر الصرف الحقيقي في لبنان.
كذلك فإن التصوّر الذي ستضعه الحكومة من أجل التفاوض مع صندوق النقد يتضمن إعداد موازنة 2022، لكن على أي سعر صرف سيتم اعتماد هذه الموازنة، وأي ضرائب ورسوم جديدة، وأي تحسينات في الأجور والرواتب للعاملين في القطاعين العام والخاص، وأي تضخّم وأي بطالة، وأي هجرة… ثمة الكثير من الأسئلة التي لا تملك الحكومة أو لجنتها الوزارية المكلفة بتحديث خطّة التعافي، أي إجابات عليها بعد، لكنها تزعم أنها ستتوصل إلى اتفاق مع الصندوق قبل نهاية السنة.
كل ذلك كان يجري قبل التطورات السياسية الأخيرة، سواء ما حصل في الطيونة، أو الاعتداءات الخليجية المفتعلة التي تحوّلت إلى أزمة تهدّد الاتفاق الحكومي.
في الواقع، هذه الحكومة تحاول العودة إلى ما كان سائداً قبل 17 تشرين الأول 2019. ويبدو أن في عقل من يديرها فكرة تستهدف اقتلاع ما حصل من ذاكرة اللبنانيين لتُعيد إنتاج نظام منهار بأدواته السابقة. لكن هذا النظام لم يعد صالحاً للصيانة، وأدواته لم تعد جديرة بالثقة حتى ولو لم يكن هناك اليوم من يطرح نموذجاً بديلاً!
أما مخاطبة صندوق النقد الدولي بعبارات ومصطلحات الشفافية والحوكمة، فهي أيضاً صارت خارج نطاق فهم قوى السلطة. تعوّل قوى السلطة على تمرير الاتفاق على طريقة مؤتمرات باريس المتلاحقة خلال العقود الماضية، أي من خلال إطلاق دفعة جديدة من وعود الإصلاح مقابل دفعة جديدة من القروض والهبات. لكن هذه المرّة سيقترض لبنان مباشرة من الصندوق، وهذا الأخير يريد ضمان استرداد أمواله ولديه وصفة لتحقيق ذلك تتضمن شروطاً ومهلاً للتنفيذ… تكون هذه الشروط تقنية في البدء، لكن عندما يصل الملف إلى التصويت في المجلس التنفيذي للصندوق يصبح الأمر سياسياً.
في ما يلي جدول الأعمال التفصيلي للحكومة الذي ستنفذه خلال 100 يوم.



أنقر على الصورة لتكبيرها


أنقر على الصورة لتكبيرها



أنقر على الصورة لتكبيرها


أنقر على الصورة لتكبيرها