أتى تقرير الوكالة الدولية للطّاقة المُتجدّدة IRENA حول أسعار الطاقات المُتجدِّدة لعام 2020 ليؤكّد المؤكّد. الطاقات المتجدّدة الموضوعة على الشبكة حديثاً لم تعُد فقط أرخص بكثير من كل أنواع الوقود الأحفوري، بل باتت تنافس معامل الإنتاج العاملة على الفحم الحجري والتي كانت تعدّ من أرخص مصادر الطاقة. فنحو 800 ألف ميغاواط من هذه الأخيرة هي اليوم تنتج الكهرباء بأكلاف تشغيلية أعلى من أي مشروع جديد يعمل على الطاقة الشمسية الفوتوفولطائية أو طاقة الرّياح على البرّيرتكز هذا التقرير إلى خزّان معلومات وأسعار لنحو 20 ألف مشروع طاقة مُتجدِّدة حول العالم، بمجموع طاقوي يوازي 1,900 غيغاواط (مليون و900 ألف ميغاواط) ويغطِّي المشاريع الموضوعة أو التي ستوضع على الشبكة في السنوات القليلة المقبلة. تستند الدراسة أيضاً إلى معلومات عن مناقصات معامل إنتاج الكهرباء لنحو 13 ألف مشروع، أي نحو 582 غيغاواط (582 ألف ميغاواط) من الطاقة.

كلفة منخفضة
في الواقع، شكّل عام 2020 عام كسر الأسعار لمختلف أنواع الطاقات المتجددة، وقد أضيفت 261 غيغاواط (261 ألف ميغاواط)، منها 162 غيغاواط أتت بأسعار أقلّ من الفحم الحجري، ما شكل 62% من الإضافات الصافية في السنة المذكورة، وهي توزّعت على النحو الآتي: الطاقة الشمسية الفوتوفولطائية أولاً، تليها طاقة الرّياح، ثمّ الطاقة الكهرومائية (Hydropower)، الطاقة الحيوية (Bioenergy) والطاقة الحرارية الأرضية (geothermal).

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

كذلك، شهدت الأشهر الـ18 الأخيرة أرقاماً قياسية لناحية السعر الأدنى للطاقة الشمسية الفوتوفولطائية، من 0.0157 سنت/كيلواط ساعة في قطر، إلى 0.0135 سنت/كيلواط ساعة في الإمارات، و0.0104 سنت/كيلواط ساعة في السعودية، ما يعني أنه يمكن بلوغ أسعار تقلّ عن 0.02 سنت/كيلواط ساعة في حال تأمنت البيئة الاستثمارية الحاضنة لذلك.
في هذا السياق، انخفض معدّل كلفة الإنتاج العالمية Global LCOE للطاقة الشمسية الفوتوفولطائية بنحو 7%، من 0.061 سنت/كيلواط ساعة في 2019، إلى 0.057 سنت/كيلواط ساعة في 2020. وباتت كلفة التركيب الإجمالية لكل كيلواط من هذا التقنية، تقدّر بنحو 883 دولاراً. وانخفض معدّل كلفة الإنتاج العالمية Global LCOE لطاقة الرياح على البرّ بنحو 13%، والطاقة الشمسيّة المركّزة (CSP) بنحو 16%، وطاقة الرياح في البحر بـ9%. وقد ساهم في ذلك التطوّر التكنولوجي في تصنيع المعدّات ما ينعكس على كلفة التركيب الإجمالية، اقتصادات الأحجام، والتنافسيّة في تأمين المعدّات بأرخص الأسعار.
عرضُ بناء محطّة طاقة شمسية في البقاع بسعر 5.7 سنت/كيلواط ساعة يتلاءم مع تقديرات دراسة IRENA



انخفاض مستمر للأسعار
ما بين عامي 2000 و2020، ازداد الإنتاج الكهربائي من الطاقات المتجدّدة حول العالم بنحو 3.7 أضعاف، من 754 غيغاواط (754 ألف ميغاواط) إلى 2,799 غيغاواط (مليونين و799 ألف ميغاواط). وقد أصبح جليّاً أن هذه الطاقات ستشكّل العمود الفقري للنظام الكهربائي في العقود المقبلة، خصوصاً مع أهداف قمم المناخ في تخفيف الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050.


إنمّا الفترة الأكثر بروزاً هي العقد المنصرم، تكمن بين 2010 و2020. فأسعار هذه الطاقات، وتحديداً طاقتي الشمس والرياح، شهدت انخفاضاً ملحوظاً نتيحة عوامل عدّة ساهمت في أن تنافس الوقود الأحفوري. فمنذ 2010، أضيف ما مجموعه 644 غيغاواط (644 ألف ميغاواط) على الشبكة بأسعارٍ تنافسية، وارتفعت الأرقام التراكمية للطاقة الشمسية الفوتوفولطائية من 42 غيغاواط (42 ألف ميغاواط) في 2010 إلى 714 غيغاواط (714 ألف ميغاواط) في 2020.
أمّا بالنسبة إلى طاقة الرياح على البر، فقد انخفض معدّل كلفة الإنتاج العالمية Global LCOE بنسبة 56%، من 0.089 سنت/كيلواط ساعة في 2010 إلى 0.039 سنت/كيلواط ساعة في 2020، وقد ساهم في ذلك انخفاض سعر توربينات الرّياح والأكلاف التشغيلية المرافقة. كذلك، انخفض معدّل كلفة الإنتاج العالمية Global LCOE لطاقة الرّياح في البحر بنسبة 48% في 10 سنوات، من 0.162 سنت/كيلواط ساعة في 2010 إلى 0.084 سنت/كيلواط ساعة في 2020.
في ما يتعلّق بالطاقة الشمسية المركزة (CSP)، فقد انخفض سعرها بين 2010 و2020 بنحو 68%، من 0.34 سنت/كيلواط ساعة في 2010 إلى 0.108 سنت/كيلواط ساعة في 2020.

لبنان ليس ببعيد، ولكن...
في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحادّة التي يعاني منها لبنان، والتي تتجلّى أبرز انعكاساتها في قطاع الطاقة مع ارتفاع مخاطر العتمة الشاملة، ومع شحّ الدولارات وتضاؤل القدرة على استيراد الفيول بالكميات اللازمة، ما ينعكس على الناس تقنيناً قاسياً، تبرز أهميّة الطاقات المتجدّدة ودورها في الأمن الطاقوي للبلاد. فماذا لو استثمر لبنان بجدّية أكبر في هذه الطاقات خلال العقد المنصرم من خلال مشاريع ضخمة في المناطق اللبنانية كافّة؟ أما كانت الأزمة أقل حدّية ومزيجنا الطاقوي أكثر تنوّعاً؟

خلال العام الماضي، فُتحت العروض المالية لمناقصة بناء محطات موزّعة على الطاقة الشمسية بقدرة 180 ميغاواط (12 مشروعاً بقدرة 15 ميغاواط لكل منها) كانت قد أُطلقت قبل الأزمة النقدية وانهيار العملة اللبنانية، فجاءت أدنى العروض لمحطة في محافظة البقاع بسعر 5.7 سنت/كيلواط ساعة. وهذا الأخير يقع ضمن نطاق أسعار الطاقة الشمسيّة التي قدّرته دراسة IRENA من خلال بنك معلوماتها. علماً بأنه كلما ارتفعت أحجام المحطات، كلما ازدادت الأسعار تنافسيّةً. هذا المؤشر يدلّ على أن لبنان قادر على المضي قدماً في استثمار هذه الطاقات، إلّا أنه يحتاج إلى خلق البيئة الضرورية لإعادة الثقة في قطاع الطاقة وجذب المستثمرين الذين، متى توفرت البيئة الملائمة، سيكونون على استعداد للدخول في مشاريع جذّابة كهذه لا تسهم فقط في زيادة قدرتنا الإنتاجية، إنما تسمح بتطوير البنى التحتية في مناطق داخلية هي بأمسّ الحاجة لذلك، وخلق فرص عمل في مجالات جديدة تتعلق بالصيانة والتشغيل في هذه المحطات.

* باحث في مجال الطاقة – معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية