أجرى أندرو كورنفورد مراجعة لكتاب «ترويض البنوك الضخمة» للكاتب آرثر ويلمارث. الكتاب يغطي مناطق مثيرة للاهتمام من ضمنها إصلاحات ضرورية لإعادة هيكلة القطاع المالي والمصرفي، أي «إلغاء المصارف العالمية الكبيرة و«مصارف الظل» لكسر ما يسميه «حلقة الهلاك» التي تربط هذه المؤسّسات بالحكومات والمصارف المركزية». يعلّق كورنفورد، على مضمون الكتاب مشيراً إلى أن «ويلمارث يطرح قضيته بشكل مثير للإعجاب، إلا أن فكّ التكتل بين المصارف الكبيرة سيكون أمراً صعباً. جماعات اللوبي المالية ستعارض توجهاً كهذا، وستحصل على الدعم من داخل القطاع ومن أطراف كبيرة من النخب الفكرية والتنظيمية». ومن الخلاصات التي استخرجها كورنفورد من الكتاب، أنه «يتم إعطاء الاهتمام لعمليات الدمج والاندماج بين المؤسسات في العديد من البلدان، بغرض إعادة تنظيم القطاعات المصرفية وتعزيزها، لكن على النقيض من ذلك، غالباً ما تكون الإصلاحات الهيكلية المصاحبة محدودة»

الأزمة المالية العالمية في عام 2008 لم تتبعها تغييرات جوهرية في النظم المالية لبلدان مجموعة G20. نقاط الضعف التنظيمية، التي كشفت عنها الأزمة، شكّلت نقطة انطلاق برنامج شامل لإصلاح النظام المالي العالمي استهدف زيادات في رأس المال، وإدارة أفضل للمخاطر، وحوافز مصممة بشكل أفضل. رغم ذلك، لم يتضمن البرنامج التغييرات الهيكلية الرئيسية التي يُعتقد أنها ضرورية. وفي كتابه الجديد: «ترويض البنوك الضخمة: لماذا نحتاج إلى قانون غلاس-ستيغال جديد؟»، يعرض آرثر ويلمارث، الإصلاحات التي أجريت في أعقاب الأزمة المالية العالمية، مشيراً إلى أن محور أجندة الإصلاح يجب أن يكون إلغاء المصارف العالمية الكبيرة و«مصارف الظل» لكسر ما يسميه «حلقة الهلاك» التي تربط هذه المؤسّسات بالحكومات والمصارف المركزية. يقول أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال قانون «غلاس-ستيغال» جديد لإنشاء فصل هيكلي واضح بين المصارف والأسواق المالية.
هناك اتفاق بين المراقبين على أن السمات الرئيسية للأزمة المالية العالمية في مصارف الاقتصادات المتقدمة، تمثّلت في استخدام الرافعة المالية بشكل مفرط، ومخصّصات السيولة غير الكافية. الرافعة المالية هي مقياس تعرّض المؤسّسات المالية للمخاطر مقارنة مع طبقاتها الوقائية في رأس المال. تعرّض كهذا، يعكس انكشافاً على المخاطر بسبب الأدوات المالية التقليدية مثل القروض، والمشتقات المالية، (أي الأدوات التي تتطلب القليل من الاستثمار الأولي، أو لا تتطلب أي استثمار مبدئي، وسعرها مشتق من سعر أصل آخر) والالتزامات المرتبطة بخدمات مالية أخرى. أما السيولة، فتشير إلى قدرة المؤسّسة المالية على الوفاء بالتزاماتها المالية عند استحقاقها.
من وجهة نظر ويلمارث، يجب الآن توسيع البعد الاحترازي الكلّي في القوانين المالية، والذي يتضمن أصلاً تأثير الروابط بين الشركات المالية، على أن يشمل هذا التوسيع الاستجابة شبه التلقائية للحكومات والمصارف المركزية خلال الأزمات. الهدف ألا يصبح دعم المؤسسات المالية الكبيرة المترابطة (المصارف التجارية ومصارف الظلّ) واجباً، فقط، بل لمنع سقوطها والحفاظ على استقرار الأسواق المالية. هذه الروابط، بحسب تأكيدات ويلمارث هي «حلقة الهلاك» بين المصارف والسلطات.
في الواقع، ما زال اتفاق بازل لرأس المال، وهو من الإصلاحات التي تلت الأزمة، محور انتقادات كثيرة. فمن ناحية، يريد اللوبي المصرفي الحدّ من صرامة المعايير الجديدة بذريعة أن لها تأثيراً سلبياً على قدرة المصارف على تمويل النمو الاقتصادي. ومن ناحية ثانية، يعتقد العديد من الخبراء أن الزيادات المقرّرة في رأس المال لا توفر حماية كافية ضدّ المخاطر المصرفية.
لعب المنحازون إلى الشركات دوراً مهيمناً في سياق استجابة أميركا للأزمة المالية العالمية


بالفعل، خضعت الأنظمة المالية المتعلّقة بمخاطر السوق، والتي تم تعزيزها بالفعل في بازل استجابة للتجربة خلال الجزء الأول من الأزمة المالية العالمية، لمراجعة شاملة في كانون الثاني 2016 بهدف التعامل مع نقاط الضعف التي لم تتم تلبيتها. وتضمنت أوجه القصور التي أشارت إليها هذه المراجعة ما يلي:
1) تعريف الحدود بين الأعمال المصرفية والأعمال التجارية، وهو أمر كان منذ فترة طويلة نافذة للاستغلال التنظيمي من قِبل المصارف الساعية إلى خفض متطلبات رأس المال الخاصة بها.
2) طرق قياس المخاطر التي كانت تعتمد على نماذج غير متينة تعدّها المصارف لنفسها.
في 2016، تضمنت التنقيحات المقترحة إرشادات إضافية حول رسم الحدود بين الأعمال التجارية والمصرفية، وخفض قدرة المصارف على استغلال هذه الحدود، وتعزيز صلاحيات الجهات المشرفة، وقواعد أوضح تتعلق بالتحويلات الداخلية لأدوات التداول بين فئات المخاطر. وفي عام 2019، كانت هناك مراجعات أخرى، شملت النماذج الداخلية لاحتساب المخاطر الخاصّة بكل مصرف، والمناهج الموحدة لاحتساب هذه المخاطر.

حدود الإصلاح
يقول ويلمارث إن أجندة الإصلاح الخاصّة بمجموعة G20 كشفت، حتى بعد الخسائر الهائلة التي تكبدتها الأنظمة المالية خلال الأزمة، أن الأنظمة التي تتضمن نظماً متشابكة بين المصارف الضخمة ومصارف الظل، ما زالت تحظى «بمدافعين أقوياء وبقوة بقاء ملحوظة». يعود الفضل في هذا الأمر، إلى شخصيات بارزة في وزارة الخزانة الأميركية وفي البيت الأبيض خلال إدارة الرئيس أوباما. فقد أصرّ تيموثي جيثنر، وزير الخزانة، على أن النظام المالي يتطلب تدابير تضمن بقاء جميع المؤسسات المالية الرئيسية بالإضافة إلى مرونتها وتعزيز الرقابة عليها. وقد جاءت استجابة السياسة العامة في اقتصادات مجموعة G20 في الإطار نفسه.
عملياً، جرى تسهيل إضعاف إصلاحات دود-فرانك (قانون الإصلاح المالي الذي تلى الأزمة في الولايات المتحدة) لأنه نُفذ من خلال إجراءات أصدرتها الهيئات الناظمة والتي ضمّت أشخاصاً عينتهم إدارة ترامب غالبيتم لا يميلون إلى هذا البرنامج. أوجه القصور على الجانب التنظيمي، ترافق مع عدم رغبة قادة القطاعات المالية، كفئة، في تحمّل مسؤولية السيطرة على الخسائر الضخمة، علماً بأنه تزامن حصول هذه الخسائر في المصارف الكبرى والمؤسسات المالية الأخرى. استُبعد التركيز على المسؤوليات الشخصية، ثم تعزّز الأمر عبر سلوك النظام القضائي في معالجة المخالفات الفردية التي حصلت خلال الأزمة. فقد دفعت المصارف الكبرى غرامات كبيرة وتوصلت إلى تسويات مالية كبيرة مع السلطات بعد التحقيقات، لكن نادراً ما تعرّض قادة المؤسسات المالية الكبيرة للمحاكمة. بل كانت العقوبات تتخذ شكل الفصل القسري والغرامات، وتعويضات نهاية خدمة كبيرة، أي أنها لم تكن مؤثّرة. في مثل هذا الجو، ليس مستغرباً أن تكرّس خلال مناقشة الإصلاحات، مساحة صغيرة لاستعادة المسؤولية غير المحدودة من المشاركين في النشاطات المصرفية خلال الأزمة.

قانون غلاس - ستيغال جديد
المراجعة التي قدّمها يلمارث للإصلاحات المتعلقة بالمصارف والأسواق المالية، هي متنوعة على نطاق واسع لجهة التدابير المعتمدة، والمخففة أحياناً كثيرة أو تلك الأفكار التي لم تتجاوز مرحلة النقاش، لكن من الواضح أن أهم أهداف الإصلاح بالنسبة له يتعلق باستهداف التكتلات المصرفية الكبيرة عبر طريقة وحيدة: قانون غلاس-ستيغال جديد.
النسخّة الجديدة من هذا القانون، والتي استند إليها الكاتب في نقاشه، هي قانون البنوك الشامل لعام 1933. يتضمن هذا القانون أربعة أقسام عن الفصل بين الأعمال المصرفية التجارية والاستثمارية. القسم 16 يحدّ من مشاركة مؤسسات الإيداع في مجال التعامل بالأوراق المالية. المادة 21 تحظّر المنظمات المشاركة في إصدار الأوراق المالية من الانخراط أيضاً في أعمال تلقي الودائع. القسمان 20 و32، يوسّعان نطاق حظر القانون ليشمل بعض الشركات المصرفية التابعة والكيانات الأخرى ذات الصلة والمسؤولين والمديرين والشركاء والموظفين.
في الواقع، إن المنحازين إلى الشركات لعبوا دوراً مهيمناً في سياق استجابة أميركا للأزمة المالية العالمية. هؤلاء هم صانعو السياسات الذين يعتقدون أن إصلاح القطاع المالي يجب أن يتم من خلال مؤسّسات مالية كبيرة منتقاة. وإن الدور الرئيسي في الإشراف على المخاطر النظامية كان يجب أن تلعبه الـ «FSOC» وهي الهيئة التي جمعت بين الوكالات التنظيمية الرئيسية وكان يفترض أن تكون لديها حساسية تجاه القطاع المالي.
في هذا الإطار، يبدو ويلمارث غير مقتنع بحجة الشركات التي ركّزت على أن الدعم المفتوح للمصارف الكبيرة ومصارف الظل، هو الضمان الوحيد بأن الأزمة لن تؤدّي إلى كساد كبير جديد. على العكس، برأيه، إن هذا الخيار سيزيد الضغط على الأنظمة المالية والأنظمة الضريبية المنهكة بالفعل. ورغم أنها لا يقولها صراحة، فإنه في النهاية، سيؤدي هذا المسار إلى نقطة انفجار. لذا، يجب تجنّب هذا الخطر عبر إصلاحات هيكلية في نسخة محدثة بشكل مناسب من قانون غلاس-ستيغال.
بالنسبة إلى ويلمارث، يجب أن تتضمن النسخة الجديدة من القانون نقطة مركزية تتعلق بتحديد الأنشطة التي تشكل الأعمال المصرفية التجارية. وهذا ليس أمراً سهلاً، بسبب توسّع أنشطة المصارف في مجالات مثل التأمين والاكتتاب في الأوراق المالية والاستثمار العقاري. ويعتقد الكاتب، أن مقترحه يساعد على تحسين المواءمة بين المخاطر المالية وإدارة المخاطر في القطاع المالي. فالمؤسّسات المالية غير المصرفية ستواجه قواعد تنظيمية أكثر صرامة، بينما «بنوك الظل»، أي تلك الكيانات القائمة خارج النظام المصرفي المنظم التي تؤدي العديد من الوظائف المصرفية وأصبحت ذات أهمية متزايدة منذ عام 1975، يمكن أن تختفي من نظام لم يعد يُسمح فيه بإصدار مطلوبات قصيرة الأجل على المؤسّسات غير المصرفية.
وبحسب ويلمارث، ستسمح النسخة الجديدة من قانون غراس - ستيغال، للمصارف والشركات التابعة لها بالمشاركة في العديد من الأنشطة المالية، بخلاف أخذ الودائع والإقراض، منها: كسب الرسوم مقابل المشورة الاستثمارية وخدمات الوساطة في الأوراق المالية، العمل كوكلاء في بيع منتجات التأمين. أيضاً، سيكون مقبولاً وجود مرونة أكبر في تعريف الاحتياطي الفيدرالي استناداً إلى قانون الشركة القابضة للبنك لعام 1956، أي أن يكون الاحتياط «للأنشطة المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالخدمات المصرفية» (أي أنشطة تلقي الودائع والإقراض والدفع والتسوية، وإدارة الثروات) التي يمكن أن تسمح للشركات القابضة المصرفية أن تعمل بها. وفي رأيه، يمكن تقديم خدمات كهذه، من دون خلق تضارب خطير في المصالح والمخاطر.

*للاطلاع على مراجعة الكتاب كاملة: networkideas.org