نشر المركز اللبناني للدراسات، ورقة عمل أعدّها الباحث دانيال غاروت سانشيز بعنوان «تحوّل النازحين السوريين من مجرّد عبء إلى مساهمين فاعلين في الاقتصاد المحلي في لبنان». تتطرّق الورقة إلى المعادلة التي توصّل إليها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (2015) التي تشير إلى أن «كل دولار تمّ إنفاقه على المساعدة الإنسانية كان له تأثير مضاعف وإيجابي قدره 1.6 دولار في الاقتصاد المحلي»، ثم تحدثت عن مساهمة النازحين اقتصادياً، وبعد ذلك أفردت مساحة لنتائج المسح الموسع الذي قامت به في ثلاث مدن (صيدا، زحلة، حلبا) لدراسة نتائج وجود النازحين على الاقتصاد اللبناني. نتائج المسح تقدم «حجة قوية للتدخلات العامة الآيلة الى دعم الأكثر تضرراً من تدفقات النازحين، وذلك من أجل التخفيف من تأثيرها السلبي. وتوجد حاجة أيضاً إلى التفكير في سياسات إعادة التوزيع بين الفئات المختلفة، بحيث لا يزداد التفاوت في الدخل كنتيجة لأزمة اللاجئين». في هذا المقال سيتم نشر القسم الأكبر من نتائج المسح دونَ باقي تفاصيل الورقة

سبق ورأينا أنّ تأثير اللاجئين في الاقتصادات المحلية المضيفة معقّد بما لديه من آثار تعويضية مختلفة. الأهم من ذلك، هو أن لهذه التأثيرات وقعاً غير متماثل بين فئات المجتمعات المحلية المضيفة. ونظراً إلى نقص البيانات المتاحة للجمهور، نقوم بتحليل هذه التأثيرات التفاضلية باستخدام مسح الحالة المعيشية للنازحين والمجتمعات المضيفة في لبنان (2018) في المدن الثلاث المدروسة (صيدا، زحلة، حلبا). وإذ أُجري هذا المسح مرّة واحدة فقط في عام 2018، فإنه لا يسمح لنا بإجراء مقارنات بمرور الزمن. غير أن المسح العام الذي أُجري في عام 2018 يتضمن سؤالاً حول التغيير في الظروف الاقتصادية للأسر في عام 2018 مقارنةً بعام 2011، وهو سؤال غير موضوعي بل شخصي. وفي العادة، لدى طرح أسئلة عن الماضي، يحصل تحيّز في الاسترجاع، وهو الخطأ في دقة أو اكتمال ذكريات المستجوبين. وبدلاً من النظر إلى التأثيرات بشكل عام، نقوم بتحليل التغيير النسبي الملحوظ في الدخل والأحوال المالية لكل عائلة لبنانية مقارنةً بالأسرة المتوسطة في المدن الثلاث. وفي هذه الحالة، حتى لو كانت كل التأثيرات متحيزة، تظلّ التأثيرات التفاضلية قادرة على توفير معلومات قيّمة. ففي حين أبلغت العائلات من أدنى 40% من بلديات المدن الثلاث عن تدهور أكبر في الظروف الاقتصادية منذ عام 2011 مقارنة بالمتوسط، فإن أغنى 30 % كانوا أفضل حالاً نسبياً.
بشكل عام، وجدنا علاقة إيجابية واضحة بين المستوى الحالي للدخل والتغييرات الملحوظة منذ قدوم النازحين السوريين. ففي حين أفادت نسبة العائلات البالغة 40% الموجودة عند أدنى مستويات الدخل في المدن الثلاث بتدهور أكبر في ظروفها الاقتصادية منذ عام 2011 مقارنة بالعائلات المتوسطة الدخل، تبيّن أن العائلات الغنية البالغة نسبتها 30 % كانت أفضل حالاً نسبياً.
تُظهر التقديرات أن سوق الإيجارات للنازحين يدرّ عائدات تبلغ نحو 50 مليون دولار كل عام لأصحاب العقارات من اللبنانيين


في سوق الإسكان، رأينا أن قدوم اللاجئين خلق زيادات كبيرة في الطلب على المنازل المعدّة للتأجير، ولا سيما في حلبا. ويعود هذا الطلب الإضافي بالفائدة على أصحاب الأملاك الذين نجحوا في استقطاب مستأجرين جدد وحتى في رفع بدل الإيجار. وتُظهر التقديرات على المستوى الوطني أن سوق الإيجارات للنازحين يدرّ عائدات تبلغ نحو 50 مليون دولار كل عام لأصحاب العقارات من اللبنانيين. في المدن الثلاث موضوع دراستنا، هناك ما بين 7% و8% من السكان اللبنانيين هم أصحاب أملاك. بالنسبة إلى هذه المجموعة، نجد أن الإيجارات المتأتية من النازحين السوريين تصل إلى مليون دولار سنوياً، أي ما يعادل زيادة في إجمالي دخل الأسرة بنسبة 24% في صيدا، و17 % في زحلة، و35 % في حلبا. لذا، حسّن أصحاب الأملاك من وضعهم المالي بشكل كبير نتيجةً للطلب المتزايد على الشقق المستأجرة والنابع من احتياجات النازحين.
من ناحية أخرى، تسبّبت محدودية المرونة في سوق الإسكان التي تسمح بالتكيّف مع الزيادة الكبيرة في الطلب في ندرة أماكن الإيجار المتاحة أو ارتفاع أسعارها، ما أثر سلباً على المستأجرين اللبنانيين - 20% في صيدا وزحلة، و 14% في حلبا. وتماشياً مع هذه المبررات، نلاحظ أن المستأجرين اللبنانيين أبلغوا عن تراجع نسبي في ظروفهم الاقتصادية، بينما أفاد أصحاب الأملاك بتغييرات أكثر إيجابية. وبدورها، تفيد العائلات التي تمتلك منزلاً ولا تؤجره لعائلات أخرى - وبالتالي لا تتأثر بالوقع الإيجابي والسلبي للنازحين في سوق الإيجار - بتغيرات متوسطة في حالة دخلها.
في سوق العمل، كان للوافدين النازحين آثار موزّعة على فئات مختلفة من اللبنانيين. فكان للارتفاع الكبير في الإنفاق الاستهلاكي الذي حرّكه النازحون الذين يعتمدون في الغالب على المنتجات المحلية، وقع مفيد على أصحاب الأعمال.
علاوة على ذلك، شكّل النازحون عمالة بخسة الثمن لأصحاب العمل، ما سمح لهؤلاء بخفض أكلافهم. في قطاعَي البناء والزراعة، وهما القطاعان اللذان يحظيان بأكبر عدد من النازحين، بلغ متوسط دخل العامل السوري المياوم في عام 2018 دولارين في الساعة مقابل 4.8 دولارات في الساعة للبنانيين. وهذا يخلق أيضاً منافسة للبنانيين ذوي المهارات المتدنية الذين يعملون في هذه القطاعات.
يوفر تقسيم السكان اللبنانيين البالغين وفقاً لوضعهم في سوق العمل، دليلاً إضافياً على الآثار غير المتكافئة لتدفقات النازحين على الوضع الاقتصادي. وبالنسبة إلى أصحاب العمل والعاملين لحسابهم الخاص من النازحين - وهما المجموعتان الأكثر استفادة من ارتفاع الطلب وانخفاض أكلاف العمالة - فقد أفادوا بحصول تغييرات إيجابية أكثر في وضعهم المالي، فيما أفاد اللبنانيون العاطلون عن العمل بتفاقم وضعهم سوءاً.
ولاختبار التأثيرات المختلفة للنازحين عندما يكمّلون أو يحلّون محلّ العمّال اللبنانيين، نقسّم التغييرات المبلّغ عنها في الظروف الاقتصادية الخاصة باللبنانيين العاملين، حسب المهارة وقطاع التوظيف. ويتم تصنيف قطاعات العمل وفقاً للتصنيف الصناعي الدولي الموحّد لجميع الأنشطة الاقتصادية (ISIC)، فيما يتم إنشاء ثلاثة مستويات من المهارات بناءً على التحصيل التعليمي: (أ) ضعف المهارات لمن لم يحصّلوا التعليم أو التعليم الابتدائي؛ (ب) المهارات المتوسطة لمن حصّلوا التعليم الثانوي الأدنى أو التعليم الثانوي؛ و(ج) المهارات العالية لمن حصّلوا التعليم العالي.

لا يختلف مستوى «المنافسة» بين النازحين السوريين واللبنانيين باختلاف مستويات المهارة فحسب بل باختلاف القطاع الذي يعملون فيه أيضاً


في النتيجة يظهر الوجود النسبي للنازحين السوريين في كل قطاع ومستوى مهارة (الخلايا) بالإضافة إلى متوسط التغيير المبلّغ عنه في دخل العمال اللبنانيين في تلك الخلايا. وكما هو متوقع، ليس من نازحين سوريين في الخلايا ذات المهارات العالية، بالمقارنة مع %7 من إجمالي العمال في مستوى المهارة المتوسطة، و 40% بين السكان العاملين ذوي المهارات المنخفضة. وضمن مستويات المهارات المتوسطة والمنخفضة، نلاحظ أيضاً وجود فوارق كبيرة في وجود النازحين عبر القطاعات. فعلى سبيل المثال، يمثّل اللبنانيون تقريباً جميع العمال ذوي المهارات المتدنية في قطاع الكهرباء، مقابل 18% فقط في الزراعة و25% في البناء. لذلك، لا يختلف مستوى «المنافسة» بين النازحين السوريين واللبنانيين باختلاف مستويات المهارة فحسب، بل يختلف أيضاً على صعيد القطاع الذي يعملون فيه. ويرجع ذلك جزئياً إلى القيود القانونية التي تحدّ من عمل اللاجئين في ثلاثة قطاعات: الزراعة، والبناء، والتنظيف. ورغم أن النازحين يعملون أيضاً بشكل غير نظامي في قطاعات أخرى، ولا سيما المبيعات، فإن القيود القانونية ترسم الحصة النسبية للسوريين واللبنانيين في كل قطاع.
والمثير للاهتمام هو أننا وجدنا علاقة ايجابية قوية بين نسبة النازحين العاملين في خلية معينة (القطاع ومستوى المهارة) والتغيير في الدخل الذي أفاد به العمال اللبنانيون منذ عام 2011. وبالنظر إلى قطاع البناء، نرى حضوراً كبيراً للنازحين في الوظائف التي تتطلب مهارات متدنية (معظمهم من عمال المياومة) في حين أن جميع أصحاب المهارات العالية تقريباً (مثل المدراء والمهندسين المدنيين) هم لبنانيون. بينما أفاد العمال اللبنانيون بمزيد من التغييرات السلبية في أوضاعهم المالية، حقّق مسؤول البناء الرفيع المستوى مكاسب نسبية في الدخل. ولوحظ النمط نفسه في الزراعة حيث هو القطاع الرئيسي الآخر الذي يوظف النازحين السوريين. وتُبيّن هذه النتائج أن التأثير الاقتصادي السلبي لتدفقات النازحين يتحمّله في الغالب لبنانيون ذوو مهارات متدنية يعملون في قطاعَي الزراعة والبناء - حيث يُسمح للنازحين في الغالب بالعمل - في حين أن اللبنانيين ذوي المهارات العالية أو اللبنانيين الأقل مهارة في القطاعات الأخرى، حيث يُحظّر العمل على النازحين، هم أفضل حالاً. بمعنى آخر، كلما كان السوريون واللبنانيون متكاملين، قلّت المنافسة التي يتعرّضون لها وتحوّلت ظروفهم الاقتصادية نحو الإيجابية.