حتى الآن، ما زالت العملات المشفّرة عرضة للتقلبات السريعة والتذبذبات المدفوعة بتصريح من هنا أو بقرار حكومي من هناك. ورغم أن هذه العملات استفادت من جائحة «كورونا» لينمو حجم التداول فيها خلال الأشهر الخمسة الأولى من السنة الجارية من 770 مليار دولار إلى 2400 مليار دولار، إلا أنها خسرت خلال شهر واحد نحو نصف قيمتها السوقية.

منذ بداية جائحة كورونا، ارتفعت أسعار قيمة العملات المشفّرة لأكثر من سبب:
- اهتزاز الثقة بالدولار وتحوّل المستثمرين إلى أصول أخرى، مثل الذهب والعملات المشفّرة وغيرها، لحفظ قيمة ثرواتهم.
- أدّت السياسات التي اتبعتها الحكومات حول العالم، لمواجهة أثر الجائحة على الاقتصاد، والتي تمثّلت بضخ الأموال في الأسواق، إلى وجود كميات هائلة من الأموال الإضافية بين أيدي الأفراد الذين عمدوا إلى استثمار قسم كبير منها في الأسواق المالية واشتروا الأسهم والسندات والعملات المشفّرة أيضاً.
رغم ذلك، ما زالت التقلبات السريعة والتذبذبات الواسعة تسيطر على أسعار العملات المشفّرة، أي أن التداول فيها ما زال عرضة لمخاطر واسعة. فعلى مدار المدة التي تلت الجائحة، شهدت سوق العملات المشفّرة حركة دائمة صعوداً وهبوطاً، أدّت إلى مراكمة أرباح كبيرة في بعض الأوقات، لكنها أدّت أيضاً إلى خسائر كبيرة. القيمة السوقية لهذه العملات كانت تبلغ 770 مليار دولار في مطلع 2021، وخلال خمسة أشهر فقط بلغت 2400 مليار دولار، لكن تخللتها ارتفاعات وانخفاضات كثيرة. وفي غضون شهر ونصف شهر خسرت العملات المشفّرة نصف قيمتها السوقية، وصارت تساوي اليوم نحو 1.2 تريليون دولار.
هذه هي الحساسية الكبيرة التي تعاني منها العملات المشفّرة. هناك آراء تقول بأنها لا تزال في مرحلة «اكتشاف القيمة»، أي أن السوق لم تحدّد قيمتها بعد، وهذا الأمر مرتبط بالدور الذي يمكن أن تلعبه هذه العملات في الاقتصادات. لذأ، قبل أن يتحدد دورها الفعلي، وليس النظري، يصعب أن تستقرّ أسعارها. فالتقلبات التي سجّلتها أسعار العملات المشفّرة، تُعزى إلى عدم وجود توصيف واضح لدورها السوقي. فرغم أنها تُدعى «عملة» إلا أنها ليست عملة بالمفهوم النظري المتعارف عليه للعملات، إذ ما زال عدد من الدول يرفض الاعتراف بها، ويرفض التسديد بواسطتها أو استبدالها بعملات أخرى، بالإضافة إلى المخاطر الناجمة عن التداول فيها تقلباتها المستمرّة. كذلك، لا يمكن اعتبارها أداة لحفظ القيمة، مثل السلع الأخرى كالذهب والفضة، إذ إنه لا يمكن الاتفاق على ما تحمله هذا العملات من قيمة جوهرية (intrinsic value).
إذاً تلعب العملات المشفّرة الآن دور أدوات المضاربة في الأسواق، وما يتحكّم بقيمتها هو فقط العلاقة بين العرض والطلب، لذلك نرى أن سعرها هو عرضة لأي خبر أو تصريح أو قرار حكومي من هذه الدولة أو تلك. فمثلاً عندما صرّح إيلون ماسك، صاحب شركة تيسلا، في 12 أيار الماضي أن تيسلا لن تتعامل بالـ«بيتكوين» لأن عمليات تعدينها «غير صديقة للبيئة»، تلقّت العملات المشفّرة خسارة فادحة خلال أسبوع واحد بنحو 400 مليار دولار. لكنها تلقّت بعد ذلك ضربة أخرى بعد قيام السلطات المالية الصينية بالتضييق على العملات المشفّرة في 18 أيار، ما فاقم الخسائر التي تلقّتها لتبلغ في الأسبوع الذي تلاه 500 مليار دولار إضافية.