«مستثمرو التجزئة» هو الاسم الذي تطلقه وسائل الإعلام الأميركية على صغار المستثمرين الذين يوظفون أموالهم الخاصة في الأسواق المالية. عدد هؤلاء ارتفع كثيراً في السنوات الأخيرة بسبب انتشار منصات تجارة الأسهم الإلكترونية التي أصبح تنزيلها متاحاً على شكل تطبيقات الهواتف الذكية. بهذا المعنى، بات يمكن بيع وشراء الأسهم من غرفة النوم. واتّسعت هذه الظاهرة بسبب ضخّ الأموال الناتج الذي مارسته الدول في مواجهة جائحة كورونا، فضلاً عن أن المستثمرين باتوا معزولين في منازلهم مع هواتفهم الذكية ومنصات التداول بسبب الجائحة أيضاً، فلم يستطيعوا إنفاق هذه الأموال على استهلاك السلع والخدمات، فاستثمروها في الأسواق المالية.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


اشتهر «مستثمرو التجزئة» في معركة «Gamestop» التي دارت في كانون الثاني الماضي. يتواصلون في ما بينهم على موقع «ريديت» على صفحة اسمها «wallstreetbets» أو «رهانات وولستريت». تضمّ هذه الصفحة نحو 10.5 ملايين مشترك غالبيتهم من صغار المستثمرين. يتفقون على شراء سهم ما لرفع سعره. الهدف ليس تحقيق الأرباح فحسب، بل مواجهة الصناديق الاستثمارية التي تراهن على انخفاض سعر السهم لتحقيق الأرباح. معركة «Gamestop» أظهرت أنه بإمكانهم تكرار هذه المواجهة.

512 مليون دولار

هي قيمة الخسائر التي تكبدتها الصناديق المراهنة على انخفاض سعر سهم شركة AMC في يوم الاثنين 14 حزيران الماضي فقط، وهو يوم شهد ارتفاعاً في سعر السهم بنسبة 15%.

لذا، قرّروا كسر رهانات الصناديق على انخفاض سعر سهم شركة «AMC». الصناديق، وعبر آلية البيع على المكشوف (أو ما يُعرف بالـ«short-selling»)، كانت تعتقد أن سعر سهم «AMC» سينخفض، لذا راهنت على ذلك طمعاً بتحقيق الأرباح. هذا الرهان يفترض اقتراض الأسهم مقابل فائدة محدّدة مسبقاً والتزام بتسديد الثمن ضمن مدة زمنية قصيرة، مع إمكانية تداول السهم إلى حين تسديد الثمن. وفي الوقت القصير بين الاستعارة، واستحقاق أجلها، تبيع الصناديق السهم بسعر مرتفع مراهنة على معلومات عن انخفاضه لاحقاً، أي انها تتوقّع ألا تتحقق عملية انتقال ملكية السهم إلا بعد انخفاض السعر ما يتيح لها تسديد ثمن الأسهم المستعارة والفوائد بالإضافة إلى أرباح. تأتي هذه العملية مع مخاطر ارتفاع السعر بدلاً من انخفاضه. ما يعني أن المقترض سيتكبّد خسائر هائلة. كلما ارتفع السعر ازدادت هذه الخسائر. لذا، عندما يحصل صغار المستثمرين على معلومات عن قيام الصناديق برهان على انخفاض سعر سهم ما، يتفقون في ما بينهم - من خلال موقع ريديت - من أجل رفع سعر هذا السهم بهدف تكبيد الصندوق خسائر طائلة. هذا بالفعل ما حدث في حالتَي «AMC» و«Gamestop».
بدأت عملية رفع سعر سهم «AMC» في كانون الثاني الماضي. ومنذ ذلك الوقت شهد سعر هذا السهم طلعات ونزلات. لكنّ الارتفاع الكبير حصل في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، فقد بلغ سعر السهم الواحد 67 دولاراً في أول حزيران وهو الآن يبلغ 59 دولاراً. يمثّل هذا السعر الأخير، ارتفاعاً بنسبة 2850% منذ مطلع السنة الجارية، إذ كانت قيمة السهم دولارين فقط. «AMC» هي أكبر شركة صالات سينما في العالم، وهي تعمل في أميركا وأوروبا حيث تملك 950 صالة سينما. أما سبب انخفاض سعر سهمها فهو مرتبط بتداعيات الإقفال الناتج عن جائحة «كورونا» وتدهور إيرادات الشركة.

راهنت الصناديق الاستثمارية على انخفاض سعر سهم AMC عبر بيع 90 مليون سهم على المكشوف أي نحو 18% من مجمل أسهم الشركة


استغلّت «AMC» تضخّم سعر سهمها بأكثر من القيمة الحقيقية للشركة، وأصدرت أكثر من 277 مليون سهم جديد في الأسواق وجمعت أكثر من 2.1 مليار دولار لغاية حزيران.
هذا النوع من العمليات، دفع وسائل الإعلام الأميركية إلى إطلاق توصيف «الفوضى» على ما يحدث في الأسواق المالية. هي فعلاً فوضى عارمة. فارتفاع سعر سهم أي شركة بنسبة 2850% في سنة واحدة بينما هي تتلقّى خسائر فادحة، هو أمر منافٍ لأي منطق في الأسواق المالية. لكنّ الفوضى ليست بالضرورة أمراً سيئاً ولا سيما أن الصناديق الاستثمارية راهنت في مطلع السنة الجارية على انخفاض سعر السهم عبر بيع 90 مليون سهم على المكشوف، أي نحو 18% من مجمل أسهم الشركة. بمعنى آخر، قامت هذه الصناديق ببيع 18% من أسهم الشركة في فترة قصيرة، ما انعكس مباشرة على سعرها. تقنياً وبمعزل عن الأهداف، هذا السلوك لا يختلف كثيراً عمّا يقوم به المستثمرون الصغار على موقع Reddit، لكن بطرق «أنيقة» لا يعتبرها الإعلام الأميركي فوضى.


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام