الأسبوع الماضي، صدرت نشرة المرصد الصادرة عن البنك الدولي وصنّفت الأزمة في لبنان من بين الأزمات الأشدّ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر. كيف يتم احتساب هذا التصنيف الذي جرى تداوله على نطاق واسع؟ بأيّ معايير؟ كيف يحتسب تصنيف لبنان في ضوء هذه المعايير، وخصوصاً أن الأزمة لم تنته بعد ولا نعلم أي مستوى ستبلغه، وليس هناك أفق واضح للخروج منها؟ أي سيناريوات اعتمدها البنك الدولي لأزمة لبنان حتى توصّل إلى هذا التصنيف؟
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

التصنيف الذي أعدّه البنك الدولي مبنيّ على مؤشّر ”شدّة الأزمة“ الذي احتسبه الباحثان كارمن راينهارت وكينيث روغوف. الاثنان جمعا معطيات عن 100 أزمة حصلت بين عامَي 1857 و2013، وتوصّلا إلى تصنيفها على أساس تصنيف مركّب من أمرين:
- نسبة الانخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي الحقيقي، بين الذروة الاقتصادية التي تسبق الأزمة، والحضيض خلال الأزمة.
- المدّة الزمنية للأزمة، أي عدد السنوات بين الذروة الاقتصادية السابقة للأزمة والسنة التي يعود فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي إلى مستواه عند تلك الذروة.
يعتمد احتساب هذا المؤشّر على نصيب الفرد من الناتج المحلي، وليس على الناتج المحلي الإجمالي، لعدّة أسباب. فبحسب راينهارت وروغوف، فإن التعافي بعد الأزمات المالية يحتاج في معظم الحالات إلى ما بين 5 و10 سنوات، أو حتى أكثر من ذلك. وخلال فترة التعافي، قد يشهد عدد السكان نمواً ملحوظاً، لذا فإن ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لا يعني بالضرورة تحسّن حال الفرد، إذ قد يكون نصيبه من الناتج المحلي قد انخفض بسبب تخطّي معدّل النمو السكاني لمعدّل نمو الناتج المحلّي. ويضيف الباحثان إن مقارنة تغيّر نصيب الفرد من الناتج المحلي بين الأزمات أجدى من مقارنة التغيّر في الناتج المحلّي، لأن هذه الأزمات قامت في مراحل تاريخية مختلفة، وبين بلدان خصائصها مختلفة. لذا اعتبر الباحثان أن استخدام نصيب الفرد من الناتج المحلي أصوب من استخدام الناتج المحلي الإجمالي لاحتساب مؤشّر «شدّة الأزمة».
في الحالة اللبنانية، إن احتساب مؤشّر «شدّة الأزمة» يتطلب تحديد السنة التي سبقت الأزمة، أو التي تمثّل الذروة الاقتصادية، وتقديراً لما سيليها ولا سيما على مستوى ناتج الدخل الفردي أو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. برأي البنك الدولي، إن العام الذي سبق الأزمة هو عام 2107، أما بالنسبة إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي في عام الحضيض والسنة التي سيعود فيها إلى مستوى ما قبل بداية الأزمة، فيتطلب تقديراً قائماً على سيناريوين:
- السيناريو الأول: هو سيناريو متفائل يقترح أن تكون سنة الحضيض في 2021. وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن نمو الناتج المحلي سيكون سلبياً بنحو 9.5%، فتصبح نسبة الانخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي بين عام 2017 (سنة الذروة) وعام 2021 (عام الحضيض) %35.1-. ويشير البنك إلى أنه في ظل هذا السيناريو ستدوم الأزمة نحو 12 عاماً، وهو معدّل المدّة الزمنية للأزمات التي وقعت في الدول المصنّفة في دراسة راينهارت وروغوف بين مركزي 16 و25 على أساس «شدّة الأزمة». ووفقاً لهذه التقديرات، يحصل لبنان على 47.1 نقطة ضمن المؤشّر، ما يضع الأزمة اللبنانية في المركز السادس.
- السيناريو الثاني: هو سيناريو متشائم، يفترض بأن تكون سنة الحضيض في 2022. ووفق تقديرات البنك الدولي، سيشهد الناتج المحلي الإجمالي في لبنان انكماشاً إضافياً عن عام 2021 بنسبة 5% في الناتج المحلي، فيصبح الانخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي بين عام 2017 (الذروة) وعام 2022 (الحضيض) 38.6%. وبحسب هذا السيناريو، يقدّر البنك أن مدّة الأزمة ستبلغ 19 سنة، وهو معدّل المدّة الزمنية للأزمات التي وقعت في الدول المصنّفة في المراكز العشرة الأولى. وينتج من هذه التقديرات أن مؤشّر «شدّة الأزمة» للبنان سيبلغ 57.6 نقطة، وهو رقم يضع الأزمة اللبنانية في المركز الثالث في تصنيف المؤشّر لأشدّ الأزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر.