في عام 2020، تراجعت محفظة التسليفات المصرفية للقطاع الخاص بقيمة 13.58 مليار دولار لتصبح قيمتها الإجمالية 35.9 مليار دولار مقارنة مع 49.5 مليار دولار في نهاية عام 2019 و58.9 مليار دولار في نهاية عام 2018. هذا التراجع ناجم بشكل أساسي عن عمليات إطفاء الديون بالشيكات المصرفية الصادرة من حسابات المودعين، لكن إلى أي مدى يمكن الاستمرار بهذه العمليات؟
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

في مقابل تراجع التسليفات في عام 2020، كان هناك تراجعٌ في الودائع بقيمة 19.88 مليار دولار. القسم الأكبر من هذه الأموال، استُعمل في إطفاء قروض مصرفية كانت ممنوحة للقطاع الخاص. وكما بات معروفاً، فإن هذا الأمر يتم بواسطة تجارة الشيكات المصرفية (بالدولار) التي أصبحت رائجة جداً اليوم. فبإمكان أي شخص لديه سيولة نقدية بالليرة أو بالدولار، شراء هذه الشيكات بأسعار زهيدة نسبياً تصل إلى 25% من قيمتها مقابل الدولارات الورقية، أو مقابل 2800 ليرة لكل دولار في الشيك المصرفي. هذه العمليات مفتوحة على مصراعيها في السوق الحرّة، وهناك عمليات بملايين الدولارات تتم يومياً. وقد ازدادت وتيرة هذه العمليات عندما شارفت مهلة تطبيق التعميم 154 على الانتهاء، إذ عمدت المصارف إلى تسريع إصدار الشيكات مقابل الدولارات النقدية، ما أدّى إلى انخفاض قيمة الشيك المصرفي من 30% إلى 25% بما يعكس انحفاض قيمة «الدولار المحلّي» مقابل «الدولار الورقي»، كما أن قيمة الشيك تراجعت مقابل الليرة الورقية أيضاً، إذ انخفض سعر شيك الدولار من 3200 ليرة قبل أشهر إلى 2800 ليرة.
كلما تقلّصت قدرات المقترضين على شراء الشيكات المصرفية، سيصبح أصعب إطفاء القروض


كلّ التداولات التي تجري بواسطة الشيكات والنقد الورقي، ترمي إلى إطفاء قروض، لكنها تنطوي أيضاً على عمليات مضاربة على العملة تُسهم في تأجيج سعر صرف الدولار في السوق الحرّة. كما أن إطفاء القروض بهذه الطريقة، هو عملية نقل للثروة. فقد بات بإمكان أي مقترض أن يسدّد ديونه للمصرف بنحو 25% من قيمتها الاسمية. فعلى سبيل المثال، إن قرضاً بقيمة 100 ألف دولار يمكن سداده مقابل أقلّ من 25 ألف دولار ورقية.
لكنّ السؤال الذي يُطرح في ظل هذا التراجع في محفظة القروض، هو إلى أي مدى يمكن الاستمرار بهذه التجارة، وما هو مصير الودائع عندما يصل سداد القروض إلى مرحلة الإشباع؟ ففي الواقع، هناك حدود معينة للقدرة على سداد القروض. كلما تقلّصت قدرات المقترضين على شراء الشيكات المصرفية، سيصبح أصعب إطفاء القروض. وما يعزّز هذا الأمر أن نسبة القروض المتعثّرة بلغت في نهاية حزيران 2020 نحو 30%، أي أن رغم توافر الشيكات للبيع في السوق بكثرة، إلا أن القروض المتعثّرة بلغت هذا المستوى، أي ما يوازي اليوم 10 مليارات دولار من القروض التي لا يُتوقّع سدادها قريباً. في هذه الحال، ستتدنّى قيمة الودائع المسجونة داخل لبنان (الليرة والدولار المحلّي)، وبالتالي قد تتحوّل تجارة الشيكات إلى مستوى محصور ببعض التبادلات المحلية فقط من دون عرض وطلب كبيريْن. هذا يعني أن ما تبقّى من الودائع سيُسحب نقداً من المصارف بمعدل يصل إلى 6 مليارات دولار سنوياً تُسحب على سعر المنصّة المحدّد حالياً بقيمة 3900 ليرة مقابل الدولار الواحد، اي أن مصرف لبنان سيطبع سنوياً نحو 24 ألف مليار ليرة، ما سيُلقي ضغوطاً تضخمية هائلة على الأسعار بما فيها سعر الصرف، وسيؤدي إلى انهيار في أسعار العقارات، وخصوصاً في قيمة الأراضي التي تدنّت لغاية اليوم بنحو 30% بالحدّ الأدنى.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام