منذ سنوات يدور نقاش في المغرب حول «السيادة الغذائية» و«الأمن الغذائي». المفهومان يختلفان أيديولوجياً. فالأول يشير إلى حقّ الشعوب في تحديد أنظمتها الغذائية والزراعية من خلال إشراك كلّ المنتجين والموزّعين والمستهلكين في صياغة النُّظم والسياسات الغذائية بدلاً من الخضوع لمطالب الأسواق والشركات. بينما الثاني يعكس مفاهيم الرأسمالية لاستبدال الإنتاج المحلي بالإنتاج الخارجي من أجل الأمن الغذائي. هذا النقاش يأتي على خلفية مشاريع تطوير القطاع الزراعي في المغرب، سواء خطّة «المغرب الأخضر» التي أُطلقت في عام 2008 أو ما سُمي بـ«استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030». فرغم أن المغرب يصدّر منتجات زراعية بقيمة 6 مليارات دولار، فيما يسهم هذا القطاع بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي ويستقطب 34% من الوظائف، إلا أن الاختلال الداخلي كبير في بنية القطاع انطلاقاً من هذين المفهومين. التناقض بينهما لا يتعلق حصراً بتأمين الكفاية الذاتية من الغذاء، بل في الهوية الاقتصادية التي تعمل على تطوير القطاع بهدف استقطاب الرساميل وتركيز الملكيات والأرباح على حساب صغار المزارعين
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

الثابت في المغرب أن القطاع الزراعي يُسهم في 15% من الناتج المحلي الإجمالي ويشغّل 34% من اليد العاملة المغربية، لكنّ المشكلة أن خطط تطوير الإنتاج الزراعي في المغرب، تسهّل «محاصرة صغار الفلاحين بزحف نمط الإنتاج الرأسمالي الكبير في قطاع الزراعة» بحسب ما ورد في دراسة أعدّتها جمعية «أطاك» (عضو في الشبكة الدولية من أجل إلغاء الديون غير الشرعية) بعنوان: «دفاعاً عن السيادة الغذائية في المغرب».

21%

هي نسبة صادرات الزراعة في المغرب من مجمل الصادرات وهي تُعدّ ثاني أكبر مصدّر للعملات الصعبة في البلد


إلى حدّ ما، تراود محمد المدوّر، وهو باحث أول متخصّص في القطاع الزراعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، الأفكار نفسها. فهو يشير إلى أن «الزراعة في المغرب تمثّل أحد المحرّكات الرئيسية للاقتصاد المغربي»، لكنه يعتقد أن هناك «تفاوتاً بين المزارعين من ذوي الحيازات التجارية الضخمة وذوي الحيازات الصغيرة». صغار المزارعين يمارسون «زراعة الكفاف التي تتركّز في الأراضي البعلية الواقعة في الجهات الهامشية التي تعاني ظروفاً مناخية أقل ملاءمة للزراعة، وقصوراً في البنية التحتية، وصعوبة في الوصول إليها، وإمكانية محدودة في الحصول على الخدمات الزراعية». وهم أيضاً، بحسب المدوّر «يواجهون «الفقر والتهميش ويعانون من التدهور البيئي، ومع صعوبة الحصول على مياه الري، يُحجم المزارعون عن إنفاق مواردهم المالية على الابتكارات التقنية والمعدات الحديثة، ما يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية. ثم يضطر صغار المزارعين إلى الإفراط في استغلال الأراضي وإلى انتهاج ممارسات زراعية غير مستدامة بهدف تأمين الحدّ الأدنى من سبل العيش».

30.1

مليون هكتار أو ما نسبته 67% من مساحة المغرب هي أراضٍ زراعية بحسب إحصاءات منظمة الأغذية العالمية


هكذا هو الوضع حالياً في المغرب بعد خطّة «المغرب الأخضر» التي أُطلقت في عام 2008، لكنه قد يزداد سوءاً مع «استراتيجية الجيل الأخضر 2020-2030». فالخطتان تنطويان على هدف متكرّر مرتبط بمؤشرات اقتصادية، بينما المؤشرات المرتبطة بالبنية الاجتماعية لقطاع الزراعة تختزل الكثير من الشعارات غير القابلة للتطبيق. فالخطتان تطرقتا إلى تحديث طرق الإنتاج وزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، لكنّ الاعتبارات التي وردت فيهما عن «دعم أصحاب الحيازات الصغيرة» كما ورد في «المغرب الأخضر»، أو عن خلق «جيل جديد من الطبقة الفلاحية المتوسطة، وبروز جيل جديد من المقاولين الفلاحين، بهدف خلق فرص عمل جديدة في الوسط القروي والتقليل من معدل البطالة» كما أشارت استراتيجية الجيل الأخضر، لم تكن سوى عملية تنقيح لنتائج مُعدّة مسبقاً على حساب صغار المزارعين أو أصحاب الحيازات الصغيرة، أي أن الأموال التي تُخصّص في إطار الخطّة تدعم أصحاب الرساميل والحيتان، الساعين إلى ابتلاع كل الأرباح والمزايا والسيطرة على المزيد من الأراضي. فالخطّتان ارتكزتا إلى «الدور الرئيسي للقطاع الخاص في دعم الإدماج الاقتصادي والاجتماعي»، كما ورد في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لتوليه العرش في 28 تموز 2019.
وفي دراسة أعدّها الباحث الاقتصادي نيكولاس فايس، بعنوان «الأساس المنطقي لخطة المغرب الأخضر: الروابط المفقودة بين الأهداف والتنفيذ»، تبيّن أن الخطّة دعمت تطوير العديد من سلاسل الإنتاج ذات القيمة (value chains) الزراعية، ما أدّى إلى زيادة الدخل وتحسين آفاق التنمية للعديد من المزارع، «لكن رغم ذلك، فشلت الخطة في تقديم تعريف واضح «للمزارع» ولم تشرح أهدافها لجهة دور المزارعين في إدارة سلاسل الإنتاج ذات القيمة الزراعية، وطريقة تحقيق التنمية المستدامة للزراعات في الأراضي الريفية». الخطة، بحسب فايس، لم تحدّد تعريفات للتمييز بين مختلف أنواع المزارع، ولا سيما تعريف الخصائص التي تميّز المزارع الصغيرة التي تستهدف دعمها. كذلك، لم تحدّد ما الذي تسعى إلى تحقيقه، إذ إنها لا تحدّد أنواع المزارع التي تعدّ مستدامة، وكيف يمكن ضمان استدامتها، وما يعنيه «احتراف» المزارع عملياً. كلّ هذه الأمور هي جزء من أهداف الخطة، لكنّ فايس يتحدث عن غموض يعتريها. بمعنى آخر، إن الخطّة لا تعطي اعتباراً للمزارعين كجهات فاعلة في تصميم وتنفيذ مشاريعها، ولا في إدارة سلاسل القيمة الزراعية. «فكما هو الحال في برامج التنمية الريفية الأخرى في المغرب، فمشاركة سكان الريف ليست من أولويات الحكومة». لذا، لم يرد ذكر تمكين المزارعين ودورهم في إدارة سلاسل القيمة الزراعية.

خطتا الزراعة تنطويان على هدف متكرّر مرتبط بمؤشرات اقتصادية، بينما المؤشرات المرتبطة بالبنية الاجتماعية لقطاع الزراعة تختزل الكثير من الشعارات غير القابلة للتطبيق


أهمية قطاع الزراعة في المغرب أنه ركيزة أساسية في الاقتصاد. فإلى جانب إسهامه بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي، لديه أثر واضح في معدلات النمو التي تتأثّر سلباً أو إيجاباً بالتقلّبات المناخية. ففي سنوات الجفاف التي يتقلّص فيها الإنتاج الزراعي يتأثّر نمو الاقتصاد المغربي بشكل كبير، علماً بأن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة مرتبطة بتآكل التربة وتدهورها وجفافها، فضلاً عن التفاوتات بين المزارع الكبيرة والصغيرة.
وتتوزّع الزراعة المغربية على ثلاثة قطاعات رئيسية هي:
- المزارع الحديثة الخاصة، المرويّة، ذات رأس مال كبير، وهي غالباً مخصّصة للتصدير ويُراوح إنتاجها بين الفاكهة والخُضر
- الزراعات حول مناطق السدود، المعاد تنظيمها على نطاق واسع، وهي يتمحور إنتاجها في مجال الألبان ومحاصيل السكر والبذور والفواكه والخُضر وهي موجّهة إلى السوق المحلي بشكل أساسي.
- الزراعات البعلية، وهي أكثر ملاءمة لأراضي الشمال الغربي من المناطق المغربية، التي تنمو فيها الحبوب والزيتون والبقوليات، وفيها مزارع المواشي المنتجة للّحوم الحمراء والألبان ومشتقاتها.
المغرب قادر على إنتاج ما يكفي من اللحوم والفواكه والخُضر ومعظم احتياجاته من منتجات الألبان اللازمة للاستهلاك المحلي، خصوصاً في الأعوام العادية، أي غير المتأثرة بالجفاف. وهو يُعدّ أكبر منتج للأسماك في الإقليمين الأفريقي والعربي وهو كان أول مصدّر عالمي للسردين عام 2019.
القمح هو المحصول المحلي الأساسي في المغرب لكنّ إنتاجه متقلّب. في عام 2018 بلغ 7.3 ملايين طن، ثمّ انخفض في عام 2019 إلى 4 ملايين طناً. يليه الشمندر السكّري الذي بلغ إنتاجه في عام 2018 نحو 3.7 ملايين طن وفي عام 2019 بلغ 3.6 ملايين طن. أما الدجاج فهو القطاع الأساسي المنتج للّحوم في المغرب، حيث أنتج هذا القطاع 720 ألف طن في عام 2018 و782 ألف طن في عام 2019، ويليه قطاع إنتاج اللحوم البقرية الذي بلغ إنتاجه 283 ألف طن في كل من عامَي 2018 و2019.
الأساليب الزراعية المغربية هي غالباً تقليدية مع تطبيقات محدودة لمحفّزات الإنتاج، مثل الأسمدة والمبيدات والمكننة. يمثّل إنتاج الحبوب أكثر من 60% من الإنتاج الزراعي، وخصوصاً بعد زيادة الدعم الحكومي لتوسيع المساحة المزروعة بالقمح في السنوات الأخيرة. وهناك تحديات تواجه هذه الزراعة، منها انتشار المزارع الصغيرة، والوضع المعقّد للأراضي الموروثة، وارتفاع أسعار الأراضي. فمن أهم العقبات التي تجري مواجهتها، المبادئ الأساسية لاقتصادَات الحجم (economies of scale) ومتطلبات رأس المال اللازمة لتحديث قطاع الزراعة والرغبة في التخفيف من حدة الفقر والحفاظ على البنية الاجتماعية للمجتمع الريفي التقليدي.



منذ الاستقلال في عام 1956 ولغاية مطلع الثمانينيات أُقرّت سلسلة من خطط التنمية الزراعية الوطنية والإقليمية (مثل إنتاج الألبان والسكر) لزيادة القدرات الإنتاجية، مدعومة بتوسيع شبكات الري، فيما واصلت الدولة بناء مشاريع ريّ واسعة النطاق يديرها القطاع العام، وسط نقاش واسع حول خصائص الزراعة على النطاق الصغير الذي كان سائداً، وضمان استدامتها.

منذ عام 1985، أدخلت الدولة المغربية سياسة تعديل هيكلي في القطاع الفلاحي وقلّصت مشاركتها في الأنشطة الزراعية، ما أدّى إلى تفكيك سياسات تدخّل الدولة في القطاع الزراعي.

في عام 2008 أُطلقت خطّة «المغرب الأخضر» التي رُصد لها 11.5 مليار دولار من أجل زيادة قدرة تحمّل القطاع الزراعي للصدمات وخلق قيمة اقتصادية مضافة للزراعة عبر توسيع المكننة والتصنيع الزراعي وتقليل آثار التعرّض للتغيير المناخي وزيادة المساحات المرويّة وتنويع المحاصيل، لكنّ 60% من هذا المبلغ جاء من القطاع الخاص، بحسب تقرير لشركة «كاسلريغ» الاستشارية.

بين عامَي 2010 و2018 تضاعفت صادرات المغرب من المنتجات الغذائية الزراعية لتبلغ 5.9 مليارات دولار ووجهتها الأساسية هي دول الاتحاد الأوروبي.

بحسب البنك الدولي فإن معدلات الفقر في المناطق القروية في المغرب أعلى بمرتين مما هي عليه على المستوى الوطني. 79.4% من سكان الريف مصنّفون فقراء فيما صافي خلق فرص العمل لم يكن كافياً لمواكبة الزيادة السنوية بين من بلغوا سنة العمل (أكثر من 300 ألف في السنة) وظلّ معدّل البطالة مرتفعاً عند مستوى 9.2% في عام 2019 وبنسبة أعلى بين الشباب والمتعلمين.


متى يُشرّع «القنّب» في المغرب؟
تعتزم الحكومة المغربية تشريع زراعة نبتة القنّب للتصدير والبيع المحلي لاستخدامات طبية وصناعية. وتأتي هذه الخطوة بعد محاولات عديدة لتشريع هذه الزراعة كان مصيرها الفشل بسبب معارضة حزب العدالة والتنمية، إلا أن تخلى عن موقفه هذا.
نبتة القنّب تزرع بشكل غير قانوني في المناطق الشمالية من المغرب، ويستخرج منها مخدر الحشيش الذي يتولى المهرّبون نقله بشكل أساسي إلى أوروبا. فبحسب مقال في صحيفة "The guardian" عام 2003 وصلت نسبة الحشيش المصنّع في المغرب إلى 70% من الاستهلاك في أوروبا. وفي عام 2015 أعلنت وزارة الداخلية المغربية أنها قلّصت مساحة الأراضي المزروعة بالقنب من 134 ألف هكتار في 2003 إلى 47 ألف هكتار في تلك السنة. ويهدف مشروع القانون هذا إلى حماية المزارعين من تحكّم مهربي المخدرات في تجارة القنّب، ذلك من خلال إنشاء وكالة وطنية لمراقبة الإنتاج والنقل والمبيع.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره








اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام