لم يستقطب مشروع موازنة 2021 الكثير من الانتباه. الغالبية تعاملت معه كأنه غير موجود أو غير معدّ للمناقشة والإقرار انطلاقاً من كونه يأتي في توقيت غير مناسب دستورياً بعد تجاوز المهل الزمنية المفروضة بموجب الدستور، وفي ظل تأخّر تشكيل الحكومة، وامتناع حكومة تصريف الأعمال عن أي محاولة للتأثير في الواقع الحالي. رغم ذلك، يثير المشروع الكثير من الإشكاليات التي ستظهر لاحقاً. فهو لا يعدّل سعر صرف الليرة بما يتلاءم مع التطوّرات السوقية وانعكاساتها على حركة الإيرادات والنفقات، وبقي يتعامل بحيادية تامة مع مسائل مثل الدين العام بالعملات الأجنبية والفوائد المترتبة عليه، وحاول أن يكون محفِّزاً لإنعاش النموذج الاقتصادي المفلس بدلاً من أن يذهب في اتجاه اقتراحات بنيوية، وأن يكون محابياً لخيارات صندوق النقد الدولي لضرب القطاع العام من دون أن يخفض عجز الموازنة، وأن يكون «غفوراً» مع المصارف وكبار المودعين بشرط جذب الدولارات، وبلغ فيه الحدّ أن يسمح بإعادة تقييم استثنائية للأصول مقابل ضريبة على الفروق لا تتجاوز 3%... وزير المال ضخّ في هذا المشروع الكثير من الحشو عن إعفاءات لا لزوم لها، وتعديلات ضريبية لا تعبّر عن أي رؤية إلّا إذا كان الوزير مقتنعاً أن هناك من سيأتي للاستثمار في بلد مفلس مقابل إعفاءات ضريبية، وفي بلد ليس فيه أي وضوح عن اتجاهات سعر العملة. لم يعبّر عن أي مشروع يريده من مشروع الموازنة. فهل هو يريد دعم الفقراء؟ إذا كان يريد ذلك، فلماذا لم يذكر كلفة الدعم في الموازنة؟ وإذا كان يريد شطب الديون، فلماذا لم يرسم سيناريوات لذلك بالاستناد إلى مشاركته في اجتماعات خطة التعافي بوجود المستشار الفرنسي «لازار»؟ لو أعيد تكليف غازي وزني بوزارة المال، أو كلّف أي «خبير» آخر بتولّي هذه الوزارة، فما سيكون مشروعه؟ أي موازنة نريد؟
وجوب التوازن الماليّ - النقديّ
عبد الحليم فضل الله
رئيس المركز الاستشاريّ للدراسات والتوثيق

يجب أن تكون الموازنة بديلاً من انعدام قدرتنا على إقرار خطة ماليّة متوسّطة الأمد للإصلاح المالي الممكن ضمن ظروف الأزمة، بحيث يحاول مشروع الموازنة أن يغطّي هذا النقص. ورغم أن هناك إشارة إلى هذه الخطّة أو الإطار المالي، في مشروع الموازنة المقدّم حالياً، إلا أنه لم ينطلق من رؤية متكاملة للإنقاذ صارت ضرورية وملحّة بعد مضي أكثر من سنة ونصف سنة على الأزمة واقتراب موجتها الثانية.
لذا، نحتاج في ظل غياب إطار مالي للإصلاح، إلى موازنة متوازنة مالياً، أي يساوي عجزها صفراً. ومتوازنة نقدياً، أي لا تكون لها آثار تضخّمية. فبعد الأزمة وبوادر الانهيار، لم يعد مهماً فقط حجم الإيرادات العامة التي يمكن تحصيلها، بل أيضاً مصادر هذه الإيرادات ووجهة إنفاقها واستعمالها، وهل تنطوي على ضخّ نقدي إضافي يمكن أن يسرّع تدهور سعر صرف العملة الوطنيّة أم لا؟


والمثال على ذلك هو ضريبة التضامن أو أي ضريبة مماثلة على الأصول المصرفية والنقدية، فعلى أهميتها، ستُفرض هذه الضريبة على حسابات غالبيتها لم تعد موجودة إلّا دفترياً، بينما يؤدّي تحصيل الضرائب عليها إلى خلق نقود جديدة وزيادة الكتلة النقدية المتداولة، إلاّ في حالة واحدة هي الاستعمال الدفتري لحصيلة هذه الضريبة المستحدثة في إطفاء دين عام أو تسديد متأخرات على الدولة مثلاً. في المقابل لن يكون لضرائب الدخل التصاعدية التأثير التضخمي نفسه لأنها ستُنقل حسب القوة الشرائية من المواطنين والمستهلكين إلى الحكومة. نجد الأمر نفسه في النفقات حيث يجب التمييز بين نفقات حكومية تجري تسويتها عبر المصارف (مثل مستحقات المتعهدين) والتي ستخضع لآلية السحب النقدي المعمول بها من قبل المصارف وسقوفه، وأخرى تتضمن ضخّاً نقدياً.
وبذلك علينا عند وضع الموازنة أن نفكر في الأمرين معاً: حجم العجز المالي، ومقدار الزيادة في الكتلة النقدية المتداولة M0 الناتجة منها، من دون أن يستغل أحد ذلك في تبرير إخلال الدولة بواجباتها (مثل الامتناع عن الدعم الاجتماعي، للأسر والمؤسسات المتعثرة...). والسبب الذي يدفع إلى التفكير على النحو المذكور، هو أن الكتلة النقدية المؤثّرة قبل الأزمة كانت تشمل النقود المتداولة زائداً الودائع على اختلافها، أما بعد الأزمة واحتجاز الودائع وإخضاع التصرف بها لتقنين قاس، فصارت النقود الورقية هي وحدها عملياً المؤثّرة في أوضاع السوق.
هذا يعني أنه على الموازنة إما أن تكون إصلاحية وإنقاذية باستنادها إلى رؤية عامة متوسطة الأمد للتعافي، أو أن تلتزم، بالحدّ الأدنى، بتصفير العجز.
أما كيف نصل إلى موازنة متوازنة فهو أمر قابل للنقاش، انطلاقاً من الاتفاق على مصادر الإيرادات المطلوبة ومن يتحمّلها. هنا يجب التركيز على المستفيدين أكثر من غيرهم من رعاية الدولة واهتمامها في ظروف الأزمة، وأكثر ما ينطبق ذلك على القطاع المصرفي الذي يتلقّى ضمانات وحماية ودعماً من الدولة. فإذا كان ذلك مفهوماً أو مفروضاً، فهل يمكن القبول في ظله، بتوسيع الهامش بين الفائدة الدائنة (للودائع) والمدينة (على القروض)؟! وبأن تستمر المصارف في تحقيق أرباح كأنّ شيئًا لم يكن؟ بل تجبي من الدولة وغيرها إيرادات وفوائد بينما هي في حالة توقف عن الدفع؟ علماً بأن بقاء القطاع المصرفي واستمراره حتى الآن ليسا بفعل قوّته الذاتية، بل بفعل تعاميم المصرف المركزي التي تُعفيه من تبعات عدم إيفائه بمعايير الأداء العالمية. ففي مقابل المساندة والحماية اللتين يتلقاهما من الدولة، يجب أن تكون مساهمة هذا القطاع أكبر من غيره في خفض العجز المالي ومنع تصاعد الدين العام.
الركود الكبير يتطلّب التوسّع لا التقشّف
غسان ديبة
رئيس قسم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية

- في موضوع تعريف الموازنة بأنها تقشّفية. هناك إصرار على سياسة التقشف رغم أن فذلكة الموازنة تتحدث عن نتائج كارثية في الاقتصاد وركود كبير… فمن المستغرب ألا تكون الاستجابة على هذا الركود الكبير بالتحفيز الاقتصادي وإنما بالتقشف وخفض النفقات العامة إلى أقلّ من مستواها في السنة السابقة. وإذا حسمنا التضخّم من النفقات، نجد أن النفقات الحقيقية تدنّت بشكل كبير. وبالتالي هي موازنة تقشّفية بشكل كبير في ظل ركود كبير، بينما يجب أن تكون موازنة توسّعية تسعى لدعم المؤسسات والأفراد الذين واجهوا الإفلاس والبطالة في عام 2020، لا بل يتوقع أن يستمر هذا الأمر في عام 2021 بسبب استمرار الركود وجائحة كورونا. ففي ظل الإقفال والبطالة، لا يُتوقع أن يكون الاقتصاد قادراً على خلق وظائف. كان الأجدر بهذه الموازنة أن تكون توسّعية بدلاً من تقشفية.


- في فذلكة الموازنة، من اللافت إعادة وضع قطاع الكهرباء في مركز التحليل عبر الإشارة إلى أن «إصلاح قطاع الكهرباء هو الحجر الأساس للخروج من الأزمة الحالية». فهذا يعني أن الموازنة لا ترى الأسباب الحقيقية للأزمة المتمثلة في انهيار النموذج الاقتصادي القديم، وانهيار القطاع المصرفي، وتدهور سعر الصرف، والركود الكبير… قطاع الكهرباء ليس سبب هذه الأزمات. فهو أدّى سابقاً إلى زيادة في عجز الخزينة، لكنه ليس الأساس في حصول الأزمة. هناك تصويب للموازنة بشكل خاطئ. وفي السياق نفسه وردت أيضاً كلمة «إصلاح»، رغم أن معضلة الكهرباء لا تكمن في الإصلاح بل في عدم الاستثمار العام بقطاع الكهرباء. لدينا نقص في السعة الإنتاجية نتيجة عدم الاستثمار في هذا القطاع. فرغم الحديث عن الشراكة مع القطاع الخاص، لم تلحظ الموازنة أي استثمار عام في قطاع الكهرباء. هناك تركيز على الكهرباء والعجز في مقابل التغافل عن الوفر الحاصل في قطاع الاتصالات والذي يوازي العجز الناتج من الكهرباء في بعض السنوات، لذا ما يقال عن أسعار الكهرباء المتدنية، يعني أن أسعار الاتصالات مرتفعة. لا يمكن الحديث عن إصلاح الكهرباء من دون الحديث عن إصلاح الاتصالات أيضاً. ورد في الموازنة أن أسعار الكهرباء تنتج أثراً سلبياً على المجتمع، لكني أعتقد أن هذا الأثر يأتي من أسعار الاتصالات المرتفعة التي يتكبّدها ذوو الدخل المتدنّي.
- ورد في فذلكة مشروع الموازنة، أن لبنان يعانيمن اختلالات مالية ضخمة نتيجة معاشات تقاعد سخيّة. هناك تركيز على «السخاء» يليه كلام عن «إعادة هيكلة نظام التقاعد»، لأن «نظام التقاعد سخي للغاية وأصبح غير مستدام وبحاجة إلى الإصلاح التدريجي».
نظام التقاعد يعتمد على النفقات السنوية، وهو ليس صندوقاً يخسر أو يربح بل هو تقريباً جزء من الإنفاق الجاري الذي يمكن تمويله من النظام الضريبي

لو كان هذا السخاء فعلياً، ألا ترى الموازنة أن موجة التضخّم في عام 2020 قد قضت عليه نهائياً، وخصوصاً أنه لم يحصل أي تصحيح في أجور القطاع العام؟ الكلام عن عدم استدامة نظام التقاعد هو كلام مكرر وقديم ولا يأخذ في الاعتبار ما حصل بالنسبة إلى قيمة مستحقات التقاعد من تدهور في القيمة الفعلية. هناك الكثير من الدول التي حاولت أن تنفذ إصلاحات نيوليبرالية عبر الهجوم على أنظمة التقاعد العام، لكن تبيّن أنه كلام غير صحيح كما حصل في الولايات المتحدة. نظام التقاعد الحكومي لا يمكن أن يكون غير مستدام لأن تمويل نفقاته ممكن عبر الضرائب. هذا النظام يعتمد على النفقات السنوية، وهو ليس صندوقاً يخسر أو يربح بل هو تقريباً جزء من الإنفاق الجاري الذي يمكن تمويله من النظام الضريبي. من المستغرب جداً أن يُذكر هذا الأمر في الموازنة في ظل الركود الحالي.
- الإيجابية الوحيدة هي ذكر ضريبة التضامن الوطني. لكنّ هناك سؤالين عليها: لماذا لم يذكر أنها ضريبة على الثروة، ولماذا لمرّة واحدة فقط مع أن كثير من الدول بدأت تفكر أو فرضت ضريبة على الثروة؟ حتى صندوق النقد الدولي في ظل هذا الوضع وارتفاع عدم المساواة في الاقتصادات الرأسمالية، دعا منذ السنة الماضية إلى فرض الضرائب على الثروة. لماذا لمرّة واحدة؟ هل عدم المساواة الناتج عن الأزمة والتضخّم والركود والجائحة ستتوقف في عام 2021؟ بل هي مرشحة للاستمرار.

مشروع التعثّر والتهوّر
سابين الكك
أستاذة محاضرة في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية

قدَّمت وزارة المال مشروع موازنة 2021 ضمن رؤية سلطوية تقليديّة لمواجهة أزمة وطنية استثنائية. فغابت عن المسودة المقاربة المالية الفاعلة لتعزيز آليات الحماية الاجتماعية، وحضرت نغمة إظهار حسن النوايا تجاه المؤسّسات الدولية المانحة، لتنقلب الموازنة من صكٍّ تشريعيٍ سنوي للواردات والنفقات، إلى منظومة تشريعية مستقلة تتخطى أفقياً المفعول الزمني المُحدّد لها بحسب المادة 5 من قانون المحاسبة العمومية، وتتجاوز عمودياً مبدأ تراتبية القواعد القانونية باستثناء تعاميم المصرف المركزي ذات الطبيعة التنظيمية البحتة، إذ قرّرت في متن المادة 28 المتعلقة بضريبة الدخل على إعادة تقييم الأصول الثابتة عدم جواز تطبيقها على المصارف في كل ما يتعارض مع «النصوص التطبيقية للمصرف المركزي».


عجزت الموازنة عن فذلكة تصوّر جدّي يقي الاقتصاد اللبناني من تداعيات رزمة الأزمات الرازح تحتها، والتي تكلّلت أثمانها الباهظة بجائحة «كوفيد-19». ورغم إعلاء عناوين تشجيعية، للقطاعات السياحية خاصةً، إلا أنها أفرغتها مسبقاً من مفعولها المرتقب بحيث كان الرقم «صفر» ميزة مشتركة لكل بنود نفقات البنى التحتية، وهي إحدى الدعائم الأساسية للخطط الاقتصادية الاستراتيجية.
سلكت المالية العامة مساراً عبثياً، منافياً تماماً لمعايير الحوكمة والشفافية، لجأت عبره للتمويل الاستثنائي كقاعدة واسعة الوعاء في الموازنة ولكن من دون أن تخصّص له خطّة طوارئ صحيّة واقتصاديّة واضحة الأفق القانوني لجهة تحديد الأولويات أو مصدر الموارد.
ولم تتضمن الموازنة خطّة لإدارة السيولة قادرة على رسم نوايا جديّة للتخفيف من وطأة تأثير الأزمة الممتدة على الشعب اللبناني. بل آثرت وزارة المال المضي بسياسة الاستدانة لتمويل نفقات الدين وعجز الكهرباء، وجاهرت مراراً وتكراراً بعزمها على إصدار سندات خزينة بالعملة اللبنانية. نذكر على سبيل المثال المادة 5 التي طلبت بمقتضاها الإجازة لها بإصدار سندات خزينة قصيرة ومتوسطة الأجل لتغطية سلف الخزينة المعطاة لكهرباء لبنان، وصولاً إلى حدّ تضمين المبالغ التأمينية التي تؤدّيها المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، نسبة 70% من قيمتها المدفوعة فعلياً سندات خزينة بالعملة اللبنانية، معدّلة بموجب المادة 87 منها القانون 28/67 الناظم لهذه الهيئة بالإضافة إلى قانون الإصلاح المصرفي 110/91.
واستفادت وزارة المال من الاحتياج الكبير إلى حماية الأرواح والأرزاق بعد انفجار المرفأ وتفشّي أزمة كورونا، لتتباهى بأدبياتها المالية الريعية وسلوكياتها الاستنسابية. فعمدت إلى فرض ضرائب تنتفي معها قاعدة الشمولية مثل ضريبة التضامن الوطني على الودائع فوق سقف المليون دولار مقابل إعفاء الودائع الجديدة من ضريبة الفوائد لمدة ثلاث سنوات (المادة 74). وتعمّدت رفض الاقتطاع والاستيفاء إلا بعملة أجنبية، سواء كانت عملة الحساب المصرفي (المادة 37) أو عملة الراتب والأجر (المادة 31) أو عملة دوائر القنصليات والمفوضيات السياسية (المادة 51)، ضاربةً عرض الحائط مبدأ عدم جواز رفض العملة اللبنانية كوسيلة إيفاء مطلقة، ومضاربةً بوقاحة على عملةٍ عُهد إليها أمر المحافظة على قيمتها الشرائية والائتمانية.
إنها موازنة التعثر والتهور، طُبعت معالمها الرئيسية بتدابير تقشفية على المواطنين وضرائب تضامنية على المودعين في مناورة مبرمجة، لإحياء اقتصادهم الزبائني وفسادهم التحاصصي وسوء أمانتهم المصرفية.
تصريف الموازنة... والأعمال
زياد بارود
محام ومحاضر في الجامعة اليسوعية

يأتيك في عالم الدستور من يفتي، ولو في معرض وضوح النص، تماماً كما يأتيك في عالم المال من «يتفذلك» في الأرقام. المشترك بين هذا وذاك، أن الاثنين في غربةٍ عن واقعٍ يدكّ أسوار بيوت الناس. هنا بيت القصيد. ففي زمن الموازنة المؤجّلة وقطع الحساب المنسيّ، هل تستطيع حكومة تصريف الأعمال أن تناقش وتقرّ مشروع الموازنة؟ الجواب بالإيجاب، بل بصيغة الوجوب، لا الجواز، للأسباب التي سيلي ذكرها.
فالموازنة، بالتعريف المبسّط، هي الإجازة للحكومة بالجباية والإنفاق، وهي إجازة تشريعية تصدر بقانون عن المجلس النيابي بعد مناقشة مشروع الموازنة الذي تعدّه وتقرّه وترسله إليه الحكومة. والعبرة في صيغة القانون أن يكون ممثّلو الشعب (نظرياً وحيث يصح ذلك) قد وافقوا على المضمون. ولأن الموازنة سنوية، فقد نصّ الدستور على مهل وأصول، بحيث من المفترض مبدئياً إنجازها وإقرارها قبل نهاية العام، حتى تتمكّن السلطة الإجرائية، أي الحكومة، من الإنفاق والجباية تبعاً لتلك الإجازة. أما أن تكون الموازنة قد غابت منذ عام 2005، لتعود في عام 2017، فهو أمرٌ واقع لا يغيّر في أن مخالفة دستورية قد ارتُكبت، وفي أنها ترافقت مع مخالفة أخرى دستورية عندما أقرّت ونُشرت موازنات 2017 وما يليها قبل موافقة المجلس النيابي على حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة (أي قطع الحساب)، بحسب ما تفرضه وجوباً المادة 87 من الدستور.


ورغم المخالفة لجهة غياب قطع الحساب المزمن والمتمادي، فإن العودة إلى إقرار الموازنة كانت أمراً حميداً. إنما يبدو أن «الفرحة» لم تدم، لأن ثمّة مهلاً دستورية تمّ تخطيها أخيراً ودخلنا في دوّامة «القاعدة الاثني عشرية» نفسها التي حكمت الإنفاق والجباية طوال سنوات. وَرَدَت هذه المُهل الملزمة في المادتين 32 و83 من الدستور بوضوح كلّي. نصّت الأولى على أن العقد العادي لمجلس النواب، الذي يبدأ في تشرين الأول «تُخصّص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة العقد إلى آخر السنة». أما الثانية (المادة 83)، فنصّت على تقديم الحكومة الموازنة لمجلس النواب في بدء عقد تشرين الأول. خلاصة ذلك أن ثمة مهلة محددة لتقديم الموازنة ولإقرارها. وهي مهلة يمكن أن تُمدّد فقط حتى آخر الشهر الأول من السنة وفق المادة 86 من الدستور التي سمحت بفتح عقد استثنائي لمتابعة درس الموازنة في حال لم تُقرّ بحلول آخر العام، وعندها تُجبى خلاله الضرائب والرسوم، وتؤخذ موازنة السنة السابقة أساساً، وتكون نفقات شهر كانون الثاني على القاعدة الاثني عشرية. أما المفارقة، فتكمن في صدور القانون 213 تاريخ 16/1/2021 الذي أجاز للحكومة جباية الواردات كما في السابق وصرف النفقات على القاعدة الاثني عشرية، من أول شباط ولغاية صدور قانون موازنة 2021! أي حتى أجلٍ غير مسمّى!

بالأرقام

941 مليار ليرة
هي قيمة النفقات المدرجة في مشروع موازنة 2021 والمحدّدة بأنها نفقات معالجة في المستشفيات أو نفقات مرض وأمومة ولا تدخل فيها اعتمادات مماثلة تنفقها تعاونية موظفي الدولة والقوى العسكرية وحصّتها من الضمان الاجتماعي
40.72 مليار ليرة
هي قيمة النفقات السرية الواردة في مشروع الموازنة، علماً بأن هذه النفقات كانت تبلغ 19 ملياراً في مشروع موازنة 2010
944 مليار ليرة
هي القيمة المقدّرة للصرف على المواد والخدمات الاستهلاكية، ومن ضمنها لوازم إدارية وقرطاسية وشتول ونصوب واستئجار سيارات وخدمات تنظيف ومحروقات وشحوم وقطع غيار وسواها


كل ذلك حصل ويحصل في الجمهورية ودستورها، في وقتٍ يجوز السؤال عن السبب الذي حدا بالحكومة إلى عدم إقرار مشروع الموازنة وإرساله إلى المجلس النيابي «في أول عقد تشرين الأول»، على ما يقول الكتاب (علماً بأن وزير المالية قد أحال مشروع الموازنة إلى رئاسة الحكومة، وحسناً فعل، ولو متأخراً). على هذا السؤال يأتي جواب الامتناع المُفتَرَض، مزدوجاً: يزعم البعض أن حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع إقرار مشروع موازنة، من جهة، وأن هذه الحكومة لا تستطيع أن تجتمع، حتى ولو أرادت إقرار مشروع الموازنة، من جهة أخرى. فما حقيقة الأمر؟
من الواضح أن الحكومة المستقيلة، أو المعتبرة كذلك، لا يسعها ممارسة صلاحياتها إلاّ بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، بحسب ما ورد صراحة في الفقرة 2 من المادة 64 من الدستور. وإذا كان هذا «المعنى الضيّق» غير محدّد، لا في الدستور ولا في أي نصّ تشريعي، فإن تفسيراً واضحاً قد أُعطي له في اجتهاد مجلس شورى الدولة، ولا سيما في قرار مبدئي صدر عام 1969 (القرار رقم 614 تاريخ 17/12/1969 – راشد/الدولة)، وميّز بين:
- من جهة، الأعمال الإدارية العادية التي يجوز إتمامها تأميناً لحسن سير المرفق العام ولتسيير الأعمال اليومية، وهي جائزة في فترة تصريف الأعمال طالما هي محصورة بذلك.
- ومن جهة أخرى، الأعمال التصرّفية التي تنطوي على أعباء جديدة أو اعتمادات مهمة أو تغيير جوهري في سير المرفق العام، وهي محظّرة في فترة تصريف الأعمال.
لكنّ القرار المذكور أضاف مشيراً إلى «تدابير الضرورة التي تفرضها ظروف استثنائية تتعلق بالنظام العام وأمن الدولة الداخلي والخارجي والأعمال الإدارية التي يجب إجراؤها في مهل محدّدة تحت طائلة السقوط والإبطال».
انطلاقاً من هذا التعليل وربطه بالمهل المحددة، نعود إلى الموازنة: فهذه الأخيرة واجبة الإقرار قبل 31/12 من كل سنة، مع إمكان تطبيق القاعدة الاثني عشرية في الشهر الأول من السنة، عملاً بالمواد 32 و83 و86 من الدستور التي نصّت على تلك المهل. وهذا يعني أن إعداد الموازنة (من قبل وزارة المالية) ورفع المشروع إلى مجلس الوزراء للمناقشة والإقرار، ثم إرسال المشروع إلى المجلس النيابي في بدء عقد تشرين الأول، إنما هي إجراءات ملزمة وترتبط بمهل دستورية واضحة، إضافة إلى أن الموازنة تتعلّق، عموماً، بالنظام العام. وعلى ذلك، فإن على مجلس الوزراء، ولو في حكومة تصريف الأعمال، موجباً دستورياً يرتبط بمهل ويدخل ضمن مفهوم «تدابير الضرورة» التي أشار إليها اجتهاد مجلس الشورى.
ولا يُردّ على ذلك بأن من شأن السير في هذا الاتجاه تقييد الحكومة اللاحقة، وفق ما اشترط أحد قرارات مجلس شورى الدولة الذي حظّر، في تصريف الأعمال «التدابير التي ليس من شأنها تقييد حرية الحكومة اللاحقة في انتهاج السياسة التي تراها أفضل» (مجلس شورى الدولة، قرار رقم 700 تاريخ 15/5/1995-هنود/الدولة)، لسبب بسيط، وهو أن مشروع الموازنة يخضع، قبل أن يصبح قانوناً، لتمحيص المجلس النيابي، إذ اشترطت المادة 83 من الدستور أن يتم الاقتراع على الموازنة بنداً بنداً. وبذلك تبقى الضمانة في المجلس النيابي، في حال تخطّت حكومة تصريف الأعمال في مشروعها حدود ما هو ملحّ في النفقات وما هو ضروري في الواردات.

على مجلس الوزراء ولو ضمن تصريف الأعمال موجب دستوري لدراسة مواد الموازنة يدخل ضمن مفهوم «تدابير الضرورة»


أما مسألة اجتماع مجلس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال، فلا تطرح أي إشكالية دستورية، إذ صحيح أن اجتماعه يبقى استثنائياً وغير محبّذ بصورة دورية، إلاّ أن هذا الاجتماع يبقى ممكناً دستورياً، في ظل غياب النص المانع، ويبقى ضرورياً دستورياً في ظل المهل المفروضة لانتظام المالية العامة، إضافة إلى أن ثمّة سوابقَ عديدة اجتمع فيها مجلس الوزراء في فترة تصريف الأعمال وببند وحيد على جدول الأعمال، كما حصل، مثلاً في حكومة الرئيس ميقاتي حال تعيين رئيس وأعضاء هيئة الإشراف على الانتخابات لارتباط هذا التعيين بمهل في قانون الانتخاب.

لا خلاص بلا إصلاح ضريبي
كريم ضاهر
أستاذ محاضر في قانون الضرائب والمالية العامة،
رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلّفين

يقوم النظام الضريبي اللبناني الحالي بشكل أساسي على ثلاث ركائز: إقليمية التكليف، اعتماد الضرائب النوعية كإطار ناظم، طغيان الضرائب غير المباشرة التنازلية على الضرائب المباشرة. هذه خصائص وسمات وضعها المشرّع في أواخر الخمسينات عن سابق تصوّر وتصميم لكي يتناسب نظامه الضريبي وماليته العامة مع الظروف السائدة والمحيطة في حينه، مع خطة واضحة لتحفيز النمو وجذب الرساميل والاستثمارات والودائع من أجل تمويل المشاريع وإعطاء دور محوري إقليمي للبلاد في محيطه القريب والبعيد. نجحت هذه الاستراتيجية على مدى عقدين، محوّلة لبنان إلى مرتع لأصحاب الرساميل والثروات ومقصدٍ للسياح والمشاهير. أضحى لبنان سويسرا الشرق الأوسط كما كان يحلو للعديد تسميته. فقد اتّسم نظامه بالمرونة والتكييف بسبب سهولة اعتماد تدابير خاصة جزئيّة محصورة ببعض الضرائب دون سواها، زيادةً أو نقصاناً أو إعفاءً، طبقاً للحاجات والبرامج. إلا أن هذا النجاح كان يخفي حقيقة أخرى وواقعاً مشؤوماً. فقد استشرى التهرّب الضريبي وبات سمةً يتباهى بها أصحاب النفوذ والرساميل وسائر المواطنين. هذا الجنوح، حفّز عوامل ما زالت مسيطرة، مثل السرية المصرفية، والفساد الإداري، ونظام الضرائب النوعيّة. هو من أسوأ الأنظمة الضريبية، لأنه يسمح بتفادي التصريح عن إيرادات مستترة، ويعفي شريحة واسعة من المقيمين من موجب التصريح الضريبي المفصل عن إيراداتهم ونفقاتهم وثرواتهم، ويستثني الأصول والإيرادات المحقّقة في الخارج من التكليف الضريبي.

نحو رفع السرية المصرفية
مع التغيّرات الدولية والعولمة، وبعد انهيار النموذج الاقتصادي اللبناني الذي جنح نحو الريع والمراباة والإفراط في التجاوزات والهدر والمحسوبيات، أصبح ملحاً تطوير وإصلاح النظام المالي والضريبي على حدٍ سواء. يقتضي الاستناد إلى مبادئ أساسية، مثل العدالة في توزيع الأعباء، وسهولة الجباية ومردوديتها، وطاقة المكلّف بالضريبة، وتوسيع الاقتصاد لزيادة الواردات... هذه الأهداف والمقترحات ليست اليوم إلا تمنيات وأفكاراً لا يتبعها أي تنفيذ، ما دامت المواطنية الضريبية (حسّاً والتزاماً) غائبة مع غياب دور الدولة الراعية. فالتغيير ليس ممكناً بمعزل عن ورشة إصلاح شاملة للقوانين، تشمل، بشكل خاص، تحديث النظام الضريبي وتطويره، ومكافحة الفساد بشكل فعّال ومجد، خصوصاً في الإدارات والسلطات القضائية والرقابية، لما لهما من دور محوري يتصل بتطبيق القانون ويكرّس مبدأي المساءلة والمحاسبة.


هكذا يبدو واضحاً أن الأولويات تبدأ بمعالجة الخلل الناتج عن ضعف تحصيل الضرائب الواجبة، وتكبير الدخل، وزيادة الإنتاج الفعلي. لا يمكن تحقيق ذلك من دون محاربة التهرّب الضريبي بمختلف أوجهه، التي ترتب كلفة عالية على الخزينة. فالتهرّب يتم اليوم بأكثر من طريقة؛
- هناك تهرّب مشروع أو مجاز وغير مخالف للقانون. كالحالة التي يستفيد منها المكلّف عندما تكون النصوص مبهمة والأنظمة متساهلة، فيتمكن من البقاء مكتوماً وغير خاضع لأي تكليف، على غرار ما يتيحه له نظام الضرائب النوعية المطبق راهناً في لبنان، والملائم للاقتصاد الخفي الموازي.
- هناك تهرّب مشروع أو مجاز، لكنه يأتي في إطار سياسات بالية غير مجدية. يظهر هذا الأمر في حالة منح حوافز ضريبية تفاضلية تمييزية غير مجدية للمصلحة العامة، مثل الحوافز البالية الممنوحة لبعض القطاعات والنشاطات منذ عقود، رغم أنها لم تعد تتناسب مع التغيّرات الميدانية ومع تطوّر الاقتصاد العالمي والرقمي.
- هناك تهرّب غير مشروع بطرق كثيرة منها، على سبيل المثال لا الحصر التهريب على الحدود، وازدواجية القيود الحسابية، والعمليات الصورية و/أو الإساءة مع التعسف في استعمال الحق...
يتعين إيجاد إطار تعديلي ومعالجة خاصة لهذه الحالات من خلال سلّة مقترحات وأفكار إصلاحية - تندرج في سياق ما يسمى الوفرة الضريبية بعناصرها الثلاثة: الإنتاجية، والاستقرار، والمرونة - لعلها تشكّل مدخلاً للنقاش الجدّي والدفع نحو تطويرها أو رفدها بأفكار ومقترحات حيوية. ففي هذا السياق، لا بدّ من توسيع قاعدة المكلفين وتعميم الرقم الضريبي الموحّد عملاً بأحكام المادة 34 من قانون الإجراءات الضريبية وربطه برقم الهوية أو جواز السفر أو الإقامة للأجنبي المقيم، لتسهيل التتبع وتحسين آليات التبليغ والحؤول دون تهرّب المكلفين أو تعسّف المراقبين. كذلك، يجب تطوير آليات الاستقصاء والمراقبة لملاحقة المكتومين والمخلّين عبر إجراءات وتدابير عملية، منها توثيق المعلومات من خلال الواجهات الإلكترونية (interfaces)، وقواعد البيانات المتسلسلة (Blockchain) لتحليلها من قبل الإدارة الضريبية، وكشف الثغرات، وإنشاء قاعدة ترابط بين الإدارات تساعد على كشف عمليات الإخفاء والتهرب والاحتكار والتلاعب في الأسعار (data mining)؛
ومن الضروري فرض موجب التصريح عن الذمة المالية (الثروة) المملوكة في الداخل والخارج كما والنفقات (حتى النثرية منها) لتتبع العمليات وتحليل وضع المكلفين والتفاوت الحاصل بين مدخولهم المصرح عنه وثروتهم الفعلية أو مظاهر الإثراء الخارجي. إن نجاح نظام التصريح الذاتي هذا، يستلزم تطبيق إجراءات ملازمة، كرفع السرية المصرفية والتثبت من التصريح عن الذمّة وعدم إخفاء موارد، وخصوصاً لجهة تطبيق النسب التصاعدية، علماً بأنه في ظل تطبيق اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات، أضحت السرية المصرفية محصورة حالياً بالمقيم في لبنان، ما حوّل البلد إلى مرتع و«ملاذ ضريبي محلي» للمخالفين والمتهرّبين والفاسدين. هذا الأمر يبرّر رفعها نهائياً لانتفاء الحاجة والهدف، لكن يجب أن تبقى السرية المهنية ويجب أن يكون هناك تشدّد في تطبيقها.
كذلك، يقتضي الأمر الانتقال في التكليف بالنسبة إلى الأشخاص الطبيعيين من مبدأ الإقليمية (territoriality) إلى مبدأ الإقامة (residence)، واعتماد نظام الضريبة الموحّدة على الدخل بشطورها التصاعدية على مجمل الإيرادات، مهما كان مصدرها في الداخل أو الخارج، مع مراعاة المعاهدات الضريبية النافذة. إن استحداث الضريبة الموحّدة على الدخل، هو الإصلاح الأساسي والفعلي الذي يُعوّل عليه من أجل تحقيق عدالة ضريبية واجتماعية، ومن أجل تحسين الجباية وتأمين الالتزام ومحاربة الغش والتهرّب والاقتصاد الخفي الموازي. فهذه الضريبة تعتمد على مبدأ تجميع الإيرادات على أنواعها، كالأرباح المهنية وإيرادات رؤوس الأموال المنقولة والإيرادات الرأسمالية وإيرادات الأملاك المبنية، وسواها، ضمن مطرح ضريبي واحد خاضع للضريبة التصاعدية (هذا الأمر لا يلغي إمكان الإبقاء مرحلياً على آلية تحصيل الضرائب عند المنبع، نظراً إلى سهولة جبايتها من دون أن تتطلب موارد إدارية كبيرة للمتابعة والتدقيق).

ضريبة تصاعدية على الثروة
من الواجب اعتماد سياسة ضريبية تحفّز الإنتاج وتزيد العبء الضريبي على الأنشطة التي لا تسهم في تأمين قيمة مضافة للاقتصاد، في مقابل تخصيص مبالغ في الموازنة للإنفاق الاجتماعي الملحّ على شبكة أمان، مثل البطاقة الطبية، وضمان البطالة... هناك أمثلة عديدة في هذا الخصوص:
- من أجل زيادة الواردات في إطار صياغة عقد اجتماعي جديد مبني على فكرة التضامن، يمكن فرض ضريبة تضامنية (فعلية) على الثروة (Wealth Tax) تُحتسب على أساس حدّ أدنى معيّن ونسبة تصاعدية من مجمل أصول وممتلكات وأموال المكلفين المقيمين، المنقولة وغير المنقولة، الموجودة في لبنان و/أو في الخارج.
من الضروري فرض موجب التصريح عن الثروة المملوكة في الداخل والخارج وعن النفقات لتتبع العمليات وتحليل وضع المكلفين، لكن نجاح هذا الأمر يستلزم تطبيق إجراءات مثل رفع السرية المصرفية


تعديل ضريبة الأملاك المبنية بشكل جذري من خلال التمييز بين الإيراد المتأتي من تأجير الأملاك وضمّه إلى سائر المداخيل المكلّفة بموجب نظام الضريبة الموحدة على الدخل، وبين الرسم المترتب على حيازة العقار واستعماله للسكن من قبل مالكه.
- تحديث قانون رسم الانتقال بحيث يُسمح بنقل ملكية جزء من الأصول تدريجياً ومن دون مقابل إلى الفروع والورثة الشرعيين من دون تحميلهم عبء الرسم، بشرط استثمار تلك الأصول في مشاريع واعدة في لبنان، ما يحفّز إمكان خلق فرص عمل للشباب، ويحثهم على البقاء في بلدهم والاستثمار فيه.
هذه بعض المقترحات التي يجب أن يتضمنها الإصلاح الضريبي الهادف إلى الإسهام في الإنقاذ لا إلى تمرير الوقت، وهو يجب أن يتكامل مع معالجة الثغرات العديدة والالتباسات السلبية في بعض مواد قانون الإجراءات الضريبية، ما سيعطي هذا الأمر صورة إيجابية للمستثمرين الأجانب لجهة الثبات التشريعي والعدل وحداثة النصوص. إلا أن ذلك لا يلغي التحفّظات المشروعة بشأن القدرة المتاحة لتنفيذ المقترحات في ظل غياب الإجماع السياسي عليها. فالمسألة تتعلق بتخلّي الجهات النافذة والمتحكمة في القرار ومن يدور في فلكها أو يؤثّر عليها، عن المصالح الطائفية والفئوية والزبائنية المناطقية، وموافقتها على تجرّع الخسائر التي قد تلحق بكل منها وبتوازناتها. هناك يصبح السؤال هو التالي: هل يمكن التعويل على هذه الجهات لترجيح المصلحة العامة على حساب مصالحها الفئوية؟

■ ■ ■

لم يتضمن مشروع موازنة 2021 أيّ كلام عن مصير سندات الخزينة التي توقفت الدولة عن تسديدها وعن الفوائد المترتبة عليها وتسعيرها. حتى تشرين الثاني 2020 كانت قيمة سندات اليوروبوندز التي توقف لبنان عن تسديدها بالإضافة إلى قيمة الفوائد الأصلية المترتبة عليها والفوائد التي ترتبت بعد التوقف عن الدفع، تبلغ 4.95 مليار دولار، إلا أنها ما زالت مسعّرة في وزارة المال على أساس 1507.5 ليرات وسطياً، وتبلغ قيمتها 7462 مليار ليرة، بينما السعر الفعلي لهذه المبالغ على أساس الدولار «الطازج» تبلغ 43560 مليار ليرة.





اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا