الأسبوع الماضي أقرّ مجلس المديرين التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي قرضاً للبنان بقيمة 246 مليون دولار. القرض يأتي في إطار المساعدة الطارئة لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد-19 والأزمة الاقتصادية في لبنان. وبحسب البنك الدولي، فإنّ المساعدة ستكون على شكل تحويلات نقديّة طارئة وتيسير الحصول على الخدمات الاجتماعية لنحو 786000 لبناني فقير. أمّا دوافع إقراض لبنان، فهي تكمن في الأزمات المضاعفة التي أدّت إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 19.2% في 2020، وتضخّم يفوق الـ 100%، وزيادة في نسبة الفقر التي بلغت 45% وفي نسبة الفقر المدقع التي تُقدّر بـ 22% (تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن نحو 1.7 مليون شخص قد أصبحوا تحت خطّ الفقر، منهم 841 ألفاً دون خط الفقر الغذائي)...
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

أمّا توزيع القرض، بحسب البنك الدولي، فهو يشمل: «تحويلات نقدية إلى 147 ألف أسرة لبنانية ترزح تحت خط الفقر المدقع (نحو 786 ألف فرد) لمدّة عام واحد» وذلك عبر «بطاقة مسبقة الدفع يُصدرها مُقدِّم خدمات مالية وتوزَّع على الأسر المستفيدة التي يمكنها الحصول على المبلغ نقداً عبر ماكينات الصرف الآلي أو استخدامها إلكترونياً لسداد ثمن مشترياتها في شبكة من متاجر المواد الغذائية». بالإضافة إلى ذلك «سيتلقّى 87 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً تحويلات إضافية لتغطية النفقات المباشرة للتعليم، ومنها رسوم التسجيل في المدرسة، ورسوم مجالس الأهل، وتكاليف الكتب المدرسية، ومصاريف الانتقال والزي المدرسي، ومعدات الحاسوب و/أو النفقات المرتبطة بشبكة الإنترنت لتسهيل التعلّم عن بُعد. وستُدفع الرسوم المدرسية بشكل مباشر إلى المدارس المعنية... وسيساند المشروع أيضاً تيسير الحصول على خدمات اجتماعية ذات جودة تقدّمها مراكز التنمية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية إلى 100 ألف فرد من الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً».
يحلو للبنك الدولي أن يسمّي القرض مساعدة طارئة. فعليّاً، هو قرض بات يترتّب على الخزينة اللبنانية المفلسة بالعملة الأجنبية التي ارتفع سعرها مقابل الليرة بأكثر من 500% خلال الـ15 شهراً الأخيرة. لكن لا بيان وزارة المال بشأن هذا القرض، ولا بيان البنك الدولي يكشف عما يدور حول التناتش على دولارات القرض.
- من أصل 246 مليون دولار، سيتم توزيع 200 مليون دولار على الأسر الأكثر فقراً، بينما الباقي، أي 46 مليون دولار ستخصّص للإنفاق على أكثر من مجال: التعليم، وتعزيز خدمات الشؤون الاجتماعية، وإدارة المشروع. القسم الأخير أثار شهيّة زعماء الزبائنية، فاعتبروها فرصة لتوظيف الأزلام والمحاسيب. فرصة كهذه لا يمكن تفويتها من أجل حشو الإدارة ببعض عشرات الأزلام الذين سيتقاضون رواتب باهظة ويتقاسمون «كم» مليون دولار خلال سنة. بهذا المعنى، وبالعقل الزبائني المحلي، القصّة «بتحرز».
- يتفاوض البنك الدولي مع مصرف لبنان، لا مع الحكومة، من أجل الاتفاق على كيفية تسديد المساعدات. مصرف لبنان وجد في القرض فرصة للاستيلاء على 200 مليون دولار، لذا طلب أن يكون هو الجهة التي تتلقى دولارات القرض على أن يسدّدها بالليرة اللبنانية على سعر 6240 ليرة مقابل الدولار. يبدو أن سلامة، مأزوم إلى درجة التفاوض على طريقة الاستيلاء على 200 مليون دولار، بينما يزعم أن لديه سيولة بالعملات الأجنبية تفوق 17 مليار دولار. ورغم خطورة ما يعنيه الأمر، إلّا أنّ المشكلة لا تكمن في ذلك حصراً، بل في تسعير هذه الدولارات. فعند توزيع المساعدات بقيمة 113.3 دولاراً شهرياً لكل أسرة (متوسط)، فإنّ الأسر ستحصل على مليون ليرة وفق سعر الصرف الفعلي في السوق، بينما ستحصل وفق سعر صرف سلامة على 707 آلاف ليرة. هذه سرقة موصوفة لنحو 300 ألف ليرة شهرياً من أولئك الذين يحتاجون بشدّة لكل دولار حتى لا يموتوا جوعاً وقهراً.
حتى لو سلّمنا بأن سلامة محقّ في الاستيلاء على الدولارات لزيادة سيولته بالعملات الأجنبية. فالوجهة الوحيدة، أو شبه الوحيدة التي تُستعمل فيها هذه السيولة هي دعم استيراد السلع الأساسية التي يقرّ الكلّ بأنها غير عادلة ويستفيد منها أصحاب القدرات الاستهلاكية الأعلى أكثر من الفقراء. وحتى مع ذلك، فإن هذه الدولارات لن تدخل إلى السوق خلافاً لما سيكون عليه الأمر حين تضخّها بين أيدي الناس. سلامة سيدفعها للشركات المورّدة في الخارج مباشرة، بينما الناس سيصرفونها بحسب حاجاتهم في السوق المحلية.