لقد كان الانخفاض في تدفّق التحويلات المالية من أهم التداعيات السلبية لأزمة كوفيد-19 على الدول النامية. أتى ذلك بسبب خسارة العمال المهاجرين وظائفهم في الدول المضيفة. ففيما شهدت جميع المناطق والبلدان التي تستضيف العمّال المهاجرين خسائر في الوظائف، كان الجزء الأكبر من الخسائر يصيب العمالة الأجنبية في هذه الدول مقارنةً مع الخسائر في وظائف العمالة المحلية. كذلك، شهدت دول مجلس التعاون الخليجي، وهي من المناطق الرئيسية التي تستقبل عمّالاً مهاجرين، تدهوراً في الأوضاع الاقتصادية بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط. وكما هو متوقّع، فإنّ البلدان الأكثر تضرّراً هي البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسّط التي يُقدّر أن تنخفض التحويلات إليها بنسبة 7% من 548 مليار دولار إلى 508 مليارات دولار. لكن تكمن اختلافات كبيرة وراء هذه الأرقام الإجمالية، مع آثار سلبية بدرجة كبيرة لبعض هذه البلدان.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره

سلّطت التقارير الإخبارية الضوء على الأزمات الشخصية التي أحدثتها صدمة كوفيد-19 عند العمال المهاجرين الذين خسروا وظائفهم ولم يتمكّنوا من العودة إلى بلدانهم بسبب توقّف وسائل النقل بين البلاد خلال فترة الإغلاق. سرعان ما اتّضح أن الآثار الخارجية للأزمة التي انعكست على هؤلاء العمال بشكل فردي، يمكن أن تطغى أيضاً على دول بأكملها، وهذا بسبب أهميّة العمل المؤقت في الخارج لإعالة الأسر من خلال التحويلات وأهمية هذه التحويلات للاقتصادات بأكملها.
تأثرت آسيا سلباً بشكل خاص. هناك 10 دول آسيوية، كان يتلقّى كل منها أكثر من 10 مليارات دولار من التحويلات المالية في عام 2019. تمثّل هذه التحويلات نحو 47% من مجمل التحويلات إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، و36% من تدفّق التحويلات في العالم كله. وفقاً لتقديرات البنك الدولي، كانت الهند في الصدارة بتدفقات فاقت 84 مليار دولار في عام 2019، تليها الصين والفيليبين وباكستان وبنغلاديش. وداخل آسيا، تبدو دول جنوب آسيا أكثر اعتماداً على تدفّقات تحويلات المهاجرين.
ومع ذلك، فإن المستويات المطلقة لتدفقات التحويلات المالية لا توضح مدى ضعف كل بلد. فبالنظر إلى حجم التحويلات نسبة إلى الناتج المحلي، يمكن ملاحظة أهمية التحويلات للاقتصادات المختلفة. فقد بلغت قيمة التحويلات المالية إلى الهند 83 مليار دولار في عام 2019، أي ما نسبته 2.8% من ناتجها المحلّي فقط، فيما بلغت قيمة التحويلات إلى نيبال 8.2 مليارات دولار، أي ما يمثّل 27% من ناتجها المحلي. ومن حيث الأهمية بالنسبة للناتج المحلي، خلف نيبال، كانت البلدان التي بدت مكشوفة لأي انخفاض في التحويلات هي الفيليبين وباكستان وسريلانكا وفيتنام وبنغلاديش وكمبوديا التي تلقت تحويلات توازي ما بين 5% و10% من الناتج المحلي. ومعظم هذه الاقتصادات هي من الأصغر (وفي بعض الحالات الأضعف) في المنطقة الآسيوية.


لكن حتى مؤشر الاعتماد على التحويلات بالنسبة إلى حجم الاقتصاد لا يعكس الضعف الاقتصادي بالكامل؛
أولاً، قد تميل تدفقات التحويلات إلى التركّز في بعض المناطق في الاقتصادات الكبيرة، كما هو الحال في ولاية كيرالا في الهند، ما يجعل تدفقات التحويلات نسبةً إلى الناتج المحلّي للولاية مرتفعة للغاية. فمن بين 83 مليار دولار من التدفقات إلى الهند في عام 2019، تشير التقديرات إلى أن ولاية كيرالا تلقت ما بين 14 مليار دولار و15 ملياراً أي ما يمثل 30% من الناتج المحلّي للولاية. لذا، حتى لو لم تتأثر الهند ككل بصدمة التحويلات، فإن ولايات مثل ولاية كيرالا ستتأثّر بشكل كبير.
ثانياً، يبدو أن التوقعات تشير إلى أن انخفاض تدفقات التحويلات المالية يمكن أن يختلف بشكل كبير بين البلدان، وهذا الانخفاض قد لا يحدث حتى في بعض البلدان. فمن المتوقّع أن تسجل نيبال، التي تعتمد بشكل كبير على التحويلات، ما يصل إلى 27% من ناتجها المحلي في عام 2019، انخفاضاً في التحويلات في عام 2020 بأكثر من 10%. ومن المتوقّع أن تسجل الهند انخفاضاً يقارب الـ9%، لكن هذه التحويلات لا تشكّل سوى 2.8% من ناتجها المحلي. ومن المثير للاهتمام، أنه يتوقّع أن تعاني سريلانكا من خسارة في التحويلات بنسبة 1% فقط، كما يتوقع أن تسجّل باكستان وبنغلاديش زيادات في تدفقات التحويلات، حتى وإن لم تكن بنفس الحجم الذي شوهد في السنوات السابقة. يمكن أن يكون أحد أسباب الاختلافات في انخفاض تدفقات التحويلات هو الاختلافات في الوجهات المهيمنة للمهاجرين والاختلاف في المهن التي يتركزون فيها، لأن بلدان المقصد تتباين في شدة أزمة البطالة الناتجة عن الوباء وما يرتبط بها من تجميد في النشاط الاقتصادي.
البلدان الأصغر والأكثر فقراً هي الأكثر تضرّراً من انخفاض تحويلات المغتربين إلّا أنه لا يمكن التعرف إلى الأثر السلبي بشكل كامل من دون احتساب دور التحويلات في توفير النقد الأجنبي الضروري لتمويل الواردات الأساسية


لكن هذا لا يمكن أن يفسر زيادة التحويلات في باكستان وبنغلاديش. فيعزو «موجز الهجرة والتنمية 33» الصادر عن البنك الدولي لشهر تشرين الأول 2020 الزيادة في التحويلات المالية إلى هذه البلدان، «جزئياً على الأقل»، إلى ما يشير إليه باسم «تأثير الحج». فالمهاجرون يحوّلون الأموال التي تم توفيرها من تأجيل الحجّ إلى مكة بسبب الانخفاض الكبير في عدد تأشيرات الحج الصادرة عقب الجائحة. إذا كان هذا صحيحاً، فإنه يعني أن الأرقام الخاصة بهذه البلدان لا تعكس التأثير الفعلي للوباء على الإيرادات المهاجرين منها ولا على قدرة هؤلاء المهاجرين على تحويل أموال إلى ديارهم.
في ظلّ العوامل، يتبيّن أن البلدان الأصغر والأكثر فقراً هي الأكثر تضرراً. لا يمكن التعرف إلى الأثر السلبي بشكل كامل من خلال النظر إلى انخفاض نسب التحويلات إلى الناتج المحلي الإجمالي فقط، لأن الانخفاض في الناتج المحلي الناتج عن الأزمة يخفّف من تأثير الانخفاض في التحويلات على هذا المؤشّر. لكن إذا أضفنا ذلك إلى الدور الذي تلعبه التحويلات في توفير النقد الأجنبي الضروري لتمويل الواردات الأساسية، والآثار السلبية على ميزان المدفوعات التي يمكن أن يحدثها الانخفاض في التحويلات، فإن أثر الأزمة سيبدو أقوى.
لذا، فإن انتقال آثار الأزمة المدمّرة التي يسبّبها الوباء عبر هذا الطريق يمكن أن يكون مصدر قلق كبير للبلدان النامية الصغيرة والفقيرة مثل نيبال. ويعزّز هذا الأمر القضية المقدّمة على أسس أخرى مختلفة لاستجابة دولية تنطوي على الإعفاء من الديون وتعزيز المساعدة التيسيرية الإضافية بشكل كبير ولا سيما لتلك البلدان.

*نُشر هذا المقال على موقع networkideas.org في 17 تشرين الثاني 2020

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا