«بالأول كان عنّا القدرة بس ما كنا نعرف، ولكن مع الوقت لما صرنا نعرف ما عاد عنا قدرة على المواجهة»(لسان حال المسؤولين)
إن ما ارتكبته الحكومات المتتالية منذ التسعينات بحق الاقتصاد الوطني والنظام المصرفي، لهو أفظع من جريمة، إنه الخطأ بعينه بسبب التأخّر في معالجة المخاطر الناجمة عن التسيّب المتمادي في إنفاق المال العام.
أما الآن، بعدما سقطت ورقة التوت التي كانت تغطّي عورات السياسات العوجاء المبنيّة على تنقيد العجز من قبل مصرف لبنان، وتعطّلت أسلحة السياسة النقدية نتيجة تثبيت سعر الصرف تجاه الدولار، وهَوت السلطة وتبخرت هيبتها، أمسى الحكم مطروحاً في الشارع، وما من أحدٍ يجرؤ على لمّه وتحمّل مسؤولية مواجهة تبعات أعتى الأزمات المالية والمصرفية التي شهدها لبنان، إلى درجة أنها باتت تهدّد بانهيار كامل النظام القائم وتفتيت المجتمع كنتيجة حتمية للتدني المتسارع لقيمة النقد الوطني.

داريو كاستيليوس - المكسيك

وما يزيد الطين بلّة أنه للمرة الأولى في تاريخ الدول، يواجه فيها مجتمع معين مآسي الإفلاس في ظلّ غياب كامل للحكومة أو أيّ سلطة أخرى. بهذه الخلفية لا بدّ من اللجوء إلى إجراءات إنقاذية. فالقيود الاقتصادية عنيدة ولا تنفع معها العواطف النبيلة والإرادات الحسنة، بل قد يفرض تسارع الأحداث اتّخاذ تدابير استثنائية لمعالجة أوضاع استثنائية نعرض بعضها على النحو الآتي:
1- الاقتصاد اللبناني مدولر بمعظمه، وما تبقى خارج الدولرة استغلّته الحكومات المتتالية لكي تتوسع في الإنفاق الاسترضائي، فتزايد العجز وتراكم الدين العام سنة بعد سنة. وبما أننا أسأنا استعمال العملة الوطنية، بات من الأفضل اعتماد الدولرة الكاملة وإصدار عملة محلية مساوية للدولار الأميركي تجنّباً للوقوع مستقبلاً في خفض سعر الصرف، وإجبار الحكومة على التقيّد بموازنة متوازنة، أي رذل العجز المسبّب الرئيسي للأزمات المالية التي نعاني منها الآن، والذي يستحق بالفعل أن يدعى «أم وأب المشاكل في لبنان».
2- إقفال المصارف لمدة أسبوع لتمكينها من ضبط حساباتها بما يتوافق مع الإجراءات التالية:
ــ جدولة الدين العام وتحويل الدين بالليرة إلى الدولار على أساس سعر صرف يحدّد لاحقاً حسب نسبة خفض الليرة.
ــ خفض معدلات الفوائد إلى مستوى يقارب المعدلات المعمول بها في الأسواق الخارجية.
ــ تحويل مطلوبات وموجودات المصارف المحرّرة بالليرة اللبنانية إلى الدولار وفقاً لسعر الصرف الجديد.
3- تحويل الودائع التي تفوق 50,000 دولار إلى ودائع لأجل وفقاً للشطور الآتية :
ــ 10% تحت الطلب
ــ 10% مجمّدة لمدة 3 شهور
ــ 15% مجمّدة لمدة 6 شهور
ــ 15% مجمّدة لمدة سنة
ــ 20% مجمّدة لمدة 3 سنوات
ــ 30% مجمّدة لمدة 5 سنوات
يمكن المصارف أن تصدر مقابل هذه الحسابات شهادات إيداع قابلة للتداول في الأسواق.
هذه الإجراءات ستؤدي إلى انخفاض معدلات الفوائد الدائنة والمدينة.
4- تعديل نظام مصرف لبنان وتحويله إلى مؤسّسة إصدار للعملة المحليّة المغطّاة بنسبة 100% بالعملات الصعبة وحصر وظائفه بمسك حسابات القطاع العام فقط.
5- ربط الرقابة على المصارف بوزارة العدل واختيار أعضائها وفقاً للقواعد المطبقة على القضاة.
6- خفض عدد المصارف إلى ما دون 15 مصرفاً بإجبارهم على الدمج، وتصفية من لا يتمكّن من تطبيق شروط مصرف لبنان.
7- إجبار المصارف بأن تكون شركات مساهمة مع مجلس إدارة ومجلس مراقبة (conseil de surveillance).
8- يجب أن يحدد نسبة 25% من أعضاء مجالس إدارات المصارف من غير المساهمين، أي أساتذة الجامعات، ومن مديري الشركات الخاصة الناجحة.
يجب التوقف عن حجز الودائع وتحديد ستة شطور على تلك التي تفوق 50,000 دولار منها 10% تحت الطلب والباقي مجمّد على فترات مختلفة من 3 أشهر إلى 5 سنوات


تعود الأسباب الموجبة لاعتماد هذه التدابير الجذرية إلى:
ــ إعادة بناء ثقة المودعين بالنظام المصرفي اللبناني المهدّد بالانهيار.
ــ خفض معدلات الفوائد الدائنة والمدينة.
ــ خفض حجم الدين العام نتيجة لتحويل الدين المحرر بالليرة إلى الدولار وفقاً لسعر الصرف الجديد بعد خفض سعر صرف الليرة لمرة أخيرة قبل سحبها من السوق.
ــ دمج الاقتصاد اللبناني بالبلدان المتقدّمة ما سيحدّ من تأثّره بتقلبات البلدان الإقليمية.
ــ تحفيز الاقتصاد نتيجة خفض معدل الفوائد على التسليفات.
ــ تجنّب إفلاس القطاع العقاري، وبالتالي مجمل النظام المصرفي.
ــ القضاء على تخوّف المودعين في ما يتعلق بقيمة مدخراتهم ورواتبهم.
ــ توسيع صلاحيات مؤسسة ضمان الودائع.

* عضو سابق في لجنة الرقابة على المصارف