عام 2011، كانت معدلات الفقر تبلغ 27% من السكان في لبنان، أو مليون شخص على الأقل، وزادت إلى 32% من السكان (1.3 مليون شخص) عام 2015. ويتوقع أن تزداد إلى 50% مع ارتفاع سعر صرف الليرة مقابل الدولار بسبب الأزمة النقدية.
أنجل بوليغان المكسيك

الأسوأ أن الدولة اللبنانية لطالما تعاملت مع الفقر كمساحة هامشية خصصت لها القليل. فالإنفاق الحكومي على الفقراء لم يتعدّ 0.048% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2018، ونحو 0.15% من مجموع النفقات عام 2018، فيما أنفقت في السنة نفسها 5,5 مليار دولار (أكثر 47% من الإيرادات) على فوائد الدين العام، ذهب القسم الأكبر منها الى المصارف.
إذاً، الدولة الراعية غائبة وتصبّ اهتمامها على الريوع فقط. فـ«برنامج استهداف الأسر الأكثر فقراً» يتسم بطابع زبائني واضح. إذ أن الحصول على حق الاستفادة منه يجري على «الطريقة اللبنانية»، أي عبر استجداء الزعيم أو أحد أزلامه. فضلاً عن أنه مموّل أصلاً من المساعدات الدولية التي لم تأت إلا لأن للمجتمع الدولي حسابات في إبقاء النازحين السوريين في لبنان وتعزيز وجودهم فيه. وبحسب مصادر مطلعة فإن البنك الدولي يطلب من المانحين تمويلاً إضافياً للبرنامج بقيمة 500 مليون دولار.
هذا الاهتمام الضئيل جداً من الحكومة اللبنانية ليس شاملاً، بل يطال 105 آلاف أسرة من أصل 150 ألفاً تصنّف تحت خط الفقر الأدنى، و250 ألفاً مصنّفة تحت خط الفقر بشكل عام. والدعم الذي تحصل عليه هذه الأسر انطلق عام 2010 مع إنشاء «البرنامج» الذي دخل حيّز التنفيذ في 17 تشرين الأول 2011. وهو يعمل من خلال 113 مركزاً للخدمات الانمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.

6

مليارات ليرة كلفة تشغيل برنامج استهداف الفقر وتتوزّع على 524 عاملاً في 113 مركزاً، لكن البرنامج يطالب بزيادة الموازنة التشغيلية إلى 11 مليار ليرة، نظراً إلى الحاجة لوظائف متخصّصة


في السنوات الأولى على إنشائه، حدّد البرنامج خطّ الفقر الأدنى بأنه يوازي إنفاق الفرد بقيمة 2.4 دولار في اليوم، وخطّ الفقر الأعلى بقيمة 3.8 دولارات في اليوم. وبعد إعادة تقييم هذه الخطوط بالاستناد إلى التطورات الأخيرة (أعدّها الخبير الاقتصادي كمال حمدان بناء على طلب البنك الدولي الراعي الرسمي للبرنامج)، عدّلت خطوط الفقر لتصبح 5.7 دولارات للخط الأدنى و8.6 دولارات للخطّ الأعلى.
صنّف البرنامج نحو 105 آلاف أسرة فقيرة تنطبق عليها مواصفات الاستفادة من برنامج سمّي بطاقة «حلا» التي صدرت بين عامي 2012 و2016، وهي تمنح حاملها حق الاستفادة من مجموعة تقديمات تتراوح بين البطاقات الغذائية والدعم التربوي ودعم الطبابة والتخرّج التجريبي من الفقر.
من أصل هذه الأسر، حصلت 10 آلاف أسرة مصنّفة ضمن فئة الأشد فقراً على البطاقة الغذائية التي كانت تموّل بمبلغ 30 دولاراً عن كل فرد لغاية 2016، وفي السنة التالية خفضت قيمة الدعم الغذائي إلى 27 دولاراً عن كل فرد. كما حصل حاملو البطاقة (عدل اسمها لاحقاً لتصبح «حياة») على دعم لفروقات الجهات الضامنة من وزارة الصحة والضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة، على أن يكون الاستشفاء في المستشفيات الحكومية والخاصة المتعاقدة مع البرنامج. قيمة الفروقات المدفوعة عن الدخول إلى الاستشفاء على حساب وزارة الصحة بلغت 15%، فيما بلغت قيمة الفروقات على حساب وزارة الصحة في المستشفيات الحكومية 5%، والفروقات عن الضمان الاجتماعي 10%، والفروقات عن تعاونية موظفي الدولي 25%. كذلك تساهم البطاقة في تأمين الخدمات المجانية للطبابة في مراكز الخدمات الانمائية، وتشمل زيارة الطبيب واستلام الأدوية المزمنة وطب الأسنان. وحتى 2018، بلغ عدد الحالات الداخلة إلى المستشفيات 116.3 ألف حالة كلفتها الإجمالية 17.7 مليار ليرة بمعدل 150 ألف ليرة عن كل مريض.

دعم الفقراء من المال العام لا يزيد على 0.048% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018 و0.15% من مجموع النفقات، بينما أنفقت الحكومة على فوائد الدين العام الذي يذهب بالقسم الأهم منه إلى المصارف، في السنة نفسها، 5.5 مليارات دولار


موّل البرنامج دخول أبناء هذه الاسر إلى المدارس والمعاهد بقيمة تغطية تبلغ وسطياً 120 ألف ليرة عن كل تلميذ في مرحلة الروضة والأساسي، وبمعدل 300 ألف ليرة عن كل تلميذ في المرحلة الثانوية، و300 ألف لطلاب المعاهد المهنية والتقنية. بلغ عدد المستفيدين من المدارس نحو 117 ألفاً بكلفة 14.2 مليار ليرة لغاية 2018، و33400 تلميذ في المعاهد بكلفة 9 مليارات ليرة لغاية 2018.
أما في برنامج التخرج من الفقر، الذي لم يبدأ تطبيقه بعد، فهناك نيّة لاستقبال 675 اسرة اختيرت من بين الأسر الـ10 آلاف الأشد فقراً التي نالت البطاقة الغذائية، وتلقت تدريباً على المهارات ومحو الأمية وسواها.
المشكلة التي واجهها البرنامج أن القسم الأكبر منه لم يكن ممولاً من الحكومة اللبنانية، وأن جزءاً من التمويل الخارجي جاء على حساب وجود النازحين السوريين في لبنان، أي أنه مرتبط بهؤلاء النازحين وبوجودهم. لذلك، هناك مخاوف جديّة من أن يتوقف تمويل البرنامج للبطاقة الغذائية وبرنامج التخرّج من الفقر في حال عودة النازحين إلى بلادهم.


أما الدولة اللبنانية، فلم تدفع بعد من أصل متوجباتها البالغة 40.9 مليار ليرة، إلا 24.9 مليار ليرة، ما أدى في أحيان كثيرة الى رفض المستشفيات دخول مرضى يحملون البطاقة. كما أن دعم البطاقة الغذائية مموّل من الحكومة الألمانية بالشراكة مع برنامج الغذاء العالمي والمفوضية العليا للاجئين. أما في برنامج دعم التعليم، فقد واجه الأهالي امتناع المدارس عن تسجيل التلاميذ في المدارس والمعاهد الرسمية.
وبهدف تطوير البرنامج انسجاماً مع ارتفاع معدلات الفقر، هناك اقتراحات بأن يتم تأمين التمويل للبطاقة الغذائية والمستشفيات والتعليم من الموازنة العامة. التقديرات تشير إلى ضرورة زيادة 5 مليارات ليرة إضافية لتغطية النفقات الاستشفائية للفقراء لتستفيد منها نحو 42900 أسرة ونحو 237 ألف مريض بمعدل 30 ألف مريض إضافي سنوياً. على أن تخصص الدولة 7.5 مليارات ليرة لتغطية 9000 تلميذ إضافي سنوياً. وهناك اقتراح يقضي برفع عدد المستفيدين من البطاقة الغذائية إلى 15 ألف أسرة، بكلفة إضافية تبلغ 15 مليار ليرة سنوياً.