الصورة قاتمة، لا يوجد أي مؤشّر على إصلاح جذري، والإجراءات المتّخذة هي دون أي أفق. هذه باختصار فحوى بيان «صندوق النقد الدولي» إلى لبنان، الذي لم يقم حتّى اليوم بأي إصلاحات فعّالة وجذرية. عملياً، ما يقوم به الصندوق هو التنبيه من الحقيقة المرّة، فالفرص لا تزال مُتاحة للنفاذ، إلّا أنها تخفّ تدرّجاً وتضيق كلّما تأخّر تنفيذ الإصلاحات.وفقاً لصندوق النقد الدولي، الوضع الاقتصادي متدهور، ونسبة العجز في المالية العامّة ارتفعت من 8.5% نسبة إلى الناتج في عام 2017 إلى 11% في عام 2018 على الرغم من كلّ الوعود بتطبيق الشروط التي أقرّت في «سيدر». وأكثر من ذلك، الحركة الاقتصادية متوقّفة، والعجز في الحساب الجاري يزيد. والتدفّقات المالية تجفّ والاحتياطات لدى مصرف لبنان تنخفض، أيضاً الحركة المصرفية تتراجع وكذلك الودائع. فيما التصنيف الائتماني للبنان يتراجع. عملياً يستعرض الصندوق هذه المؤشّرات تمهيداً لاقتراح إجراءات تساعد في تنفيذ إصلاح جذري وملحوظ يفترض بالدولة القيام به، خصوصاً أن نسبة العجز المالي الذي تقدّمه الدولة في مشروع الموازنة لا يعكس الوضع المالي الصحيح، فهو لا يتضمّن سلفة الكهرباء وأموال البلديات ومستحقّات الضمان الاجتماعي، في حين أن خطّة الكهرباء تسير ببطء، والإجراءات الضريبية المُقترحة (رفع معدّل الضريبة على أرباح الفائدة وعلى الاستيراد) لن تؤتي بالنتائج المأمولة منها. وفي مقابل ذلك، الدَّيْن مستمرّ بالارتفاع وسيبقى عند مستوى غير قابل للاستدامة، أي إنه سيصل إلى مرحلة لا يمكن الاستمرار في خدمته.
يدعو صندوق النقد إلى وقف العمليات الاستنسابية والفوائد العالية لاستقطاب المودعين، وترك العملية للأسواق


بناءً على ذلك، يقترح الصندوق إجراءات تطاول المالية العامّة وتساعد في تحسين النموّ الاقتصادي وتخفيض العجز، وأخرى تتعلّق بالسياسة النقدية لمصرف لبنان. في الشق الأوّل يفترض الصندوق أن تنفيذ إصلاحات «سيدر» سيساعد حتماً في تحرير الـ11 مليار دولار الموعودة، كذلك إن اتخاذ إجراءات ضريبية أقوى، مثل رفع معدّلات الضريبة على القيمة المُضافة وفرض ضريبة على المحروقات، فضلاً عن مراجعة الدولة لكلّ نفقاتها العامّة للحدّ من الإنفاق غير المجدّي، سيساعد في زيادة الإنفاق على تحسين الجوّ الاستثماري ودعم الصادرات وبناء المناطق الصناعية وتعزيز البنية التحتية.
أمّا بالنسبة إلى سياسات المصرف المركزي والقطاع المالي، فهو يحذّر من الاكتتاب بسندات خزينة بفوائد مخفّضة، لكونها ستضعف ميزانية مصرف لبنان وأيضاً ميزانية المصارف، وسيكون لها أثر سلبي على الأسواق النقدية. بمعنى أنها لن تشجّع المودعين على وضع أموالهم في لبنان، لأن إيرادات المصارف التي تحقّقها من دَيْن الدولة ستقل عمّا كانت عليه، ولن يتمكّن ربّما من إعطاء المودعين فوائد أعلى. كذلك يدعو إلى الاعتماد على الأدوات غير المباشرة في السياسات النقدية، أي عدم اللجوء إلى عمليات تمييزية واستنسابية وفوائد عالية لاستقطاب المودعين، بل ترك عملية تحديد الفوائد للأسواق.

* خبير سابق في صندوق النقد الدولي