على مدار سنوات طويلة كان يجري تأمين الدولارات المطلوبة لتمويل تنامي الاستيراد من خلال تحويلات المهاجرين اللبنانيين، التي بلغت 38 مليار بين عامي 1993 و2017، أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تركّزت في القطاعين العقاري والمصرفي، وبلغ مخزونها في نهاية 2017 نحو 63.7 مليار دولار. طوال الفترة السابقة كان حجم الأموال الذي يدخل لبنان أكبر من حجم الأموال الذي يخرج منه، وهو ما تُرجم بفوائض متواصلة في ميزان المدفوعات وصلت قيمتها التراكمية إلى 25.4 مليار دولار بين عامي 2002 و2010. لكن منذ عام 2011، انقلبت المعادلة رأساً على عقب، وبات ميزان المدفوعات في حالة عجز دائم لسنوات مُتتالية مُستمرّة حتى الآن، وهي المرّة الأولى التي يشهد فيها لبنان مثل هذه الحالة منذ الاستقلال.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره

فنتيجة تدهور الإنتاج المحلّي وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتراجع أسعار النفط وانفجار الصراعات في المنطقة وتزايد الإنفاق العسكري، ولا سيّما في دول الخليج حيث يتركّز جزء مهمّ من العمالة اللبنانية المُهاجرة، تراجع صافي التحويلات والاستثمارات الأجنبية والتدفّقات المالية، وباتت الأموال التي تدخل لبنان أقل من الأموال التي تخرج منه، ولم تعد تكفي لسدّ العجز في ميزان حسابات لبنان مع الخارج. وفي الحصيلة، بلغت القيمة التراكمية لعجز ميزان المدفوعات نحو 16.1 مليار دولار بين عامي 2011 و2018، وهو ما يشكّل نحو 63.4% من مجمل الفوائض المُحقّقة خلال الفترة السابقة، وتفيد المؤشرات أن هذا النزف سيتواصل هذا العام، وهو بات يشكّل مصدر تهديد كبير لسعر صرف الليرة.