خلال هذه الفترة كلّها (2015-2018)، لم تسدِّد الدولة سوى 70 مليار ليرة (46 مليون دولار) من مستحقّات الصندوق في عام 2016، التي بلغت حينه نحو 363 مليار ليرة (241 مليون دولار)، أي أنها سدّدت 19% فقط من قيمة مستحقّات هذا العام وحده من دون الديون المُتراكمة والأقساط المتوجبة.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره
عدم تسديد مستحقّات الضمان ومراكمتها كديون مخفية على الدولة، ليست سياسة حديثة، فهي مُعتمدة منذ تسعينيات القرن الماضي، ويتمّ اعتمادها اليوم للأهداف نفسها، أي التصرّف بأموال الصندوق، واستدانتها بطرق ملتوية والتهرّب من تسديد أي فوائد عليها. فعلى الرغم من صدور قانون عام 2006، يقضي بتقسيط ديون الدولة المُتراكمة للضمان حتى نهاية عام 2004، على 10 سنوات بفائدة سنوية بنسبة 5%، إلّا أن الحكومة لم تلتزم بهذا القانون ولم تدفع كلّ الأقساط المُستحقّة ورفضت احتساب الفائدة على رصيد ديونها. وقبل انقضاء مهلة العشر سنوات، صدر قانون ثانٍ عام 2014، يقضي بتقسيط الديون التي تراكمت حتى نهاية عام 2013، على 10 سنوات أيضاً وبفائدة 5%، ومع ذلك واصلت الحكومة مراكمة الديون ولم تسدِّد الأقساط ولم تحتسب أي فوائد، علماً أنها بلغت حتى نهاية عام 2017 نحو 436 مليار ليرة (289 مليون دولار)، والتي استحقّت وفقاً للقانون 753/2006.
تتذرّع وزارة المال لعدم احتساب الفوائد على ديون الضمان بوجود «اقتراح» يرمي إلى إعفاء الدولة منها، إلّا أن إدارة الصندوق تصرّ على احتسابها وإدراجها في مشروع قانون موازنة عام 2019، لأنه لم يصدر حتّى الآن أي نصّ قانوني في هذا الشأن. كما تطلب إدارة الضمان لحظ اعتماد بقيمة 80 مليار ليرة (53 مليون دولار) يمثّل قيمة القسط العاشر من الديون المُقسّطة وفقاً لقانون عام 2006.
تشمل تغطية الصندوق الصحّية نحو مليون لبناني، ويدخّر 480 ألف عامل مضمون نحو 730 مليون دولار في صندوق تعويضات نهاية الخدمة. وبالتالي، فإن أموال الصندوق، التي تتصرّف بها الحكومة وتنفقها على غايات غير الغايات المُخصّصة لها، هي أموال تخصّ هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة وأمنها الاجتماعي، وكلّ تأخير في تسديد هذه الأموال يعرّض أصحابها لمزيد من المخاطر ويهدّد الصندوق بالمزيد من العجز. فقد أدّى تخفيض الاشتراكات الإلزامية عام 2001 وامتناع الدولة والمؤسّسات العامّة والكثير من الشركات الخاصّة عن تسديد ديونها للصندوق إلى تراكم عجز سنوي متواصل في صندوقي المرض والأمومة والتعويضات العائلية، ما جعل إدارة الضمان تستدين من صندوق تعويضات نهاية الخدمة لتغطية العجز في الصندوقين الآخرين.
يفرض قانون الضمان الاجتماعي على الدولة أن توفّر الحماية للمضمونين لا العكس، ويفرض عليها أن تساهم بنسبة 25% من التقديمات الصحّية، كما يفرض أن تساهم الدولة باشتراكات السائقين العموميين والمختارين والمضمونين المتقاعدين وأن تغطّي عجز المضمونين الاختياريين. إلّا أن الدولة لا تكتفي بعدم تأدية هذه الفروض، التي تجسّد ما تبقى من «دولة رعاية»، بل تمتنع أيضاً عن تسديد الاشتراكات المتوجّبة عليها كصاحب عمل، وهنا أيضاً تتباين الأرقام، إذ تقول إدارة الصندوق أن عدد أجراء الدولة المسجّلين في الضمان يبلغ 9.525 أجيراً، في حين تقول مديرية الصرفيات في وزارة المال أن عددهم يبلغ 7.500 أجير تقريباً. على أي حال، تقول إدارة الضمان أن الدولة لا تسدِّد أيضاً نسبة 3% التي تقتطعها من رواتب أجرائها، وتمثّل مساهمتهم في الاشتراكات الإلزامية للضمان، أي إن الدولة تضع يدها على جزء من رواتب أجرائها وتنفقه في غير وجهته.
تدلّ هذه الوقائع إلى أن الدولة لا تتعامل مع كلّ دائنيها بالطريقة نفسها، ففي حالة الضمان الاجتماعي هي في الحالة التي تُسمّى «التوقّف عن الدفع».