يجري الفاعلون الاقتصاديون، أي الأسر والشركات والإدارات، تبادلات فيما بينهم وتبادلات مع مختلف بلدان العالم (مثلهم مثل الفاعلين الاقتصاديين في أي بلد آخر). ويعرف هؤلاء بالمقيمين إذا كانوا يعيشون وينتجون في البلد، وبغير المقيمين إذا كانون يعيشون وينتجون في خارجه.هذه التبادلات تشمل استيراد الكثير من السلع والخدمات وتصديرها. وتشمل أيضاً السياحة، وهو ما يعدّ بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني بمثابة تصدير خدمات. وتشمل كذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات والمنح. وهناك أشخاص يهاجرون للعمل في الخارج ويحوّلون جزءاً من دخلهم إلى عائلاتهم في لبنان، وهناك أشخاص يأتون للعمل في لبنان ويحوّلون جزءاً من دخلهم إلى عائلاتهم في الخارج. كما تشمل التبادلات بين المقيمين في البلد والمقيمين في الخارج التوظيفات في المنتجات المالية المصرفية والأسهم والشركات وبراءات الاختراع وحقوق النشر وغيرها، التي تدرّ دخلاً أو عوائد... إلخ.
مجموع هذه التعاملات والتبادلات بين المقيمين وغير المقيمين تُجمع في بيان إحصائي، يُعرف بميزان المدفوعات الخارجية، وهو يتألف من مكوّنات مُحدّدة ومعروفة ومعمول بها في كل البلدان، وهي الحساب الجاري، وحساب رأس المال، والحساب المالي.
في الحالة اللبنانية، ينجم العجز في ميزان المدفوعات عن العجز في الحساب الجاري، وتحديداً من الميزان التجاري، بحيث تكون النفقات أكثر من الإيرادات. ويتمّ تمويل هذا العجز من خلال الديون الخارجية أو بيع الأصول (ولا سيما العقارات) إلى غير المقيمين أو تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج أو عبر استعمال الاحتياطات بالعملات الأجنبية.
تكمن المشكلة في تحوّل العجز في ميزان المدفوعات إلى سمة دائمة ومزمنة، عبر مراكمة عجوزات في الميزان التجاري والتحوّل نحو الاستيراد بما يفوق التصدير بأشواط، وهو ما يؤدّي عملياً إلى تراجع تنافسية البلد، أي إلى ارتفاع كلفة سلعه المحلية مقابل كلفة السلع المنتجة في الخارج. عندها ترتفع ديونه تجاه باقي العالم وتستمر بالارتفاع بوتيرة متواصلة إلى أن تصبح أكبر من قدرة البلد على تحمّلها، فيصبح في وضعيّة هشّة، وكذلك تتراجع احتياطاته بالعملات الأجنبية، ويصرف المستثمرون النظر عن الاستثمار فيه، وتصعب إمكانية حصوله على التمويل، أي الديون، لسدّ العجز في هذا الميزان. عندها يتراجع سعر صرف العملة ويدخل الاقتصاد في ركود وتتراجع الاستثمارات ويضمر الاستهلاك. وهو ما يلزم البلد بالقيام بإجراءات عدّة لتأمين فوائض بصورة سريعة عبر خفض سعر الصرف، تقليص الاستيراد، وتصحيح هيكلية الإنتاج وزيادته، ومكافحة التضخم والبطالة ومعالجة الركود، واسترداد التنافسية.
إلّا أن هذه الحلول صعبة وتتطلّب وقتاً لفرض التصحيح، ولا سيما إذا كانت قطاعات البلد المنتجة ضعيفة ومترهّلة.
وهذه العوارض تنطبق على لبنان!

* تمّت الاستعانة بمنشورات فيديو صادرة عن المصرف المركزي الفرنسي، وصحيفة* Le monde الفرنسية، وL’economie en clair، يُشرح فيها ميزان المدفوعات وأهميته على المجتمع والاقتصاد في بلد ما.