تراجيديا آيمي واينهاوس وصفتها إحدى الصحف بـ«التراجيديا المعاصرة»، التي «ساهمنا جميعاً في ارتكابها». يشير العنوان إلى الأخبار والسكوبات التي تسابقت الوسائل على نشرها عن إدمان المغنية البريطانية آيمي واينهاوس على مادّة الهيرويين، إلى حين موتها بتسمّم كحولي وحيدة في شقّتها سنة 2011. ما يبدو لافتاً أكثر من الأخبار المتداولة، هو كميّة الصور التي التقطتها عدسات البابراتزي لواينهاوس وهي منتشية.


الكثير من الفنانين أدمنوا على المخدّرات طوال حيواتهم، إلا أن أياً منهم لم تُنشر له صورٌ يضاهي عددها تلك التي التُقطت لآيمي في هذه الحالة. نوع من البراءة ربّما أو الانتشاء الدائم، هو ما سلبها تنبّهها لهذه الكاميرات التي طاردتها في ذروة نجوميتها. تسريبات مصوّرة كثيرة كانت تتصدّر يومياً أغلفة المجلّات عن «انتشاء آيمي»، و«غرقها بالمخدّرات»، أبرزها فيديو لحفلتها الأخيرة في بيلغراد. جوبهت الحفلة باستنكار الجمهور، لأداء إيمي تحديداً، فقد كان صوتها زائغاً وعاجزاً تحت تأثير المواد المخدّرة. يقول بعض الشهود إنها في ليلة موتها، كانت قد استهلكت قنينتَي فودكا وحيدة بينما كانت تشاهد نادمة ربّما تلك الحفلة البائسة. الآن صار لزاماً علينا أن نصوّب عنوان الصحيفة تلك، بأن عدسات الإعلام هي من أطلقت الرصاصة الأخيرة على المغنية.

كابوس كونديرا
مهما كانت كوابيس ميلان كونديرا مشبَعة بخيال قاتم، ما كانت ستقوى على ابتكار فضيحة بحجم تلك التي طاولته سنة 2008، حين نشرت صحيفة «ريسبيكت» التشيكية تقريراً يشير إلى أنه كان في أيام شبابه مخبراً لدى الشرطة الشيوعيّة في بلاده. ومهما تساءل كونديرا عن الفكرة «الغامضة» لمعنى الوطن كما في إحدى مقابلاته: «أتساءل إذا كانت أفكارنا عن الجذور، ليست إلا خيالاً نتشبّث به»، فإن الجذور، على خيالها، عادت لتلتفّ حول عنقه بعد عقود. التهمة التي اعتبرها الكاتب التشيكي بمثابة اغتيال معنوي له ولأعماله التي لطالما ندّدت بالحكم التوتاليتاري في بلاده، شغلت الصحافة العالمية في ذلك العام، ولا تزال تتم استعادتها حتى بعدما تمّت المصالحة الرسمية مع بلاده أخيراً بمنحه الجنسية التشيكية مجدّداً بعد انقطاع طويل.


لا يُخفى على أحد أن كونديرا كان منتسباً إلى الحزب الشيوعي التشيكي حين كان لا يزال طالباً. الأشعار التي كتبها تحت وطأة حماسته لانتمائه لا تزال تشهد على ذلك. فترة استعادها كونديرا نفسه في روايته «الحياة هي في مكان آخر». غير أن الفضيحة ليست مصوّبة إلى انتمائه المعروف فحسب، بل تذهب التقارير والوثائق المكشوفة إلى أبعد من ذلك في ماضي كونديرا وحياته المحاطة بالتكتم بسبب رفضه إعطاء المقابلات للوسائل العالميّة.
في شهر آذار (مارس) من عام 1950، توجّه كونديرا إلى مقر الشرطة السريّة ليُبلغ عن شاب يُدعى ميروسلاف دفوراشيك كان قد هرب من الجيش إلى ألمانيا وعاد إلى تشكوسلوفاكيا لاحقاً كجاسوس. لا نورد الفضيحة هنا بغية إثبات صحّتها أو نفيها، لكننا نستعيدها كأفظع الفضائح، التي إن صحّ ادعاؤها ستناقض كلّ الروايات التي كتبها كونديرا لاحقاً آخرها «حفلة التفاهة» التي أظهرت أنه لم يتخلّص بعد من التركة الستالينية لبلاده، رغم أنه حاول ذلك بشتّى الطرق منها التخلّي عن الكتابة باللغة التشيكية لحساب الفرنسية. علماً أن هذه التهمة تجد أصداءها في حديث إعلامي لكاتب تشيكي آخر هو إيفان كليما، ألمح فيه إلى أن كونديرا كان طفل الحكم السوفياتي المدلّل. وبالعودة إلى تفاصيل الفضيحة، تثبت الوثائق أن وشاية كونديرا أودت بميروسلوف دفوراشيك إلى الزنزانة، وحُكم عليه بالسجن لما يقارب عقدين من الزمن.

الأخ الأكبر يراقبك
نتشاطر جميعنا، نحن مستخدمي الإنترنت والداخلين إلى دهاليزه سمة مشتركة في خضم استعمالنا له، ألا وهي الاستعانة بالكثير من الأحيان بما يسمى الـ incognito mode بغية إخفاء معالم اختياراتنا للمواقع ولعدم اقتفاء مسارنا. بيد أن الفكرة القائلة إن للـ Incognito (مجهوليّة الصفحة) فرصة توفّر للمستخدم ميزة التخفّي، ولديها القدرة على جعله متستّراً غير قابل للتعقّب، خاطئة جداً. ففي واقع الحال، إذا كان باستطاعة المستخدم، وهي مهمة شبه مستحيلة، أن يحافظ على هويته مجهولة من خلال عدم إعطائه أي معلومات وصور عنه، إلا أنه من المستحيل اعتبار أن نظام الـ incognito يجعل من المصدر الرئيسي أي «خادم الحاسوب» (Server) غير قادر على التعقّب ورصد خطوات ومعرفة المواقع التي دخل إليها المستخدم.


ما تتيحه خاصية الـ incognito فعلاً هو عدم تسجيل، وعدم حفظ أي موقع قد زاره المستخدم أو أي نشاط قد قام به على الحاسوب وليس على الإنترنت. على هذا النحو، إن الحماية التي توفرها تلك الخاصية للمستخدم محدودة وليست فعّالة في عالم الإنترنت. فهي لا تحصّن نشاط المستخدم أو تبقي على مساره مجهولاً كما أنها عرضة لنقل الفيروس وليست بمنأى عنها، ما يعني أنها لا تختلف عن صفحات الإنترنت العادية باستثناء أنها تتيح لمستخدم آخر إذا أراد العمل على الحاسوب نفسه أن يبدأ من جديد «على صفحة بيضاء». المغزى: بينما تستخدم الإنترنت، فلا تنسَ المقولة الأشهر: «الأخ الكبير يراقبك»، واعلم أن هناك أحداً ما في مكان ما يشاطرك نزهتك.

الروك آند رول خرج من حنجرة البلوز
سرقة أغاني وموسيقى أصحاب البشرة السوداء وامتلاك حقوقها شكّلت موضة سائدة وقديمة في أميركا. إلفيس بريسلي مثلاً، كان ريادياً بهذا الفعل. ما صنعه إلفيس بريسلي وأعطاه بصمته الخاصة هو أغنية Hound Dog التي صدرت له عام 1956 حين كان يبلغ من العمر واحداً وعشرين عاماً، الأمر الذي عزّز من صورته ومن سمعته.


لكنّ الأغنية لم تكن لبريسلي بل للمغنية السوداء بيغ ماما ثورنتن التي كانت قد غنّتها قبله بأربع سنوات. لا يختلف وضع العمل في المجال الفني مع شركات الإنتاج الكبرى المملوكة والتابعة للرجل الأبيض كثيراً عن السياسة الأميركية، إذ دائماً ما يكون التعاطي مع أصحاب البشرة السوداء مثل التعامل مع من هم أقل شأناً. على هذه الشاكلة، غالباً ما كانت تؤكل الحقوق الأصلية للمؤلفين الموسيقيين الأصليين، أي أصحاب البشرة السوداء، ويُمحى أثرهم فيما يُحسب إنتاجهم ويُرد إلى فنان آخر متعاقد مع شركة إنتاج ضخمة. وفي حادثة مماثلة لسرقة الفيس بريسلي، مع واحدة من أشهر فرق الروك آند رول على مر التاريخ، لم تسلم فرقة «ليد زيبلين» البريطانية من تهمة الاستيلاء على الإطلاق. وفي واقع الحال، تمادت الفرقة في سرقتها للإنتاجات الفنية تحت ذريعة «التأثر والتفاعل»، لتستولي على الكثير من ألحان «البلوز» من فنانين سود من دون الإشارة إلى أيّ منهم، أي إلى المصدر. كما استنسخت الفرقة أيضاً، كلمات أغنيات العديد من الأعمال الأخرى التي كانت سائدة آنذاك. لـ «ليد زيبلين» عشرات الأغاني من أكثرها شهرة: Stariway to heaven وwhole lotta love وDazed and confused التي لم تكن في جذرها وأصلها من إبداع أعضائها، إنما كانت اشتقاقاً موسيقياً ليس قائماً على التواتر والتخاطر فحسب بل على سرقة مباشرة للنغمة. أما بعض أغنياتها الأخرى فقد كانت مُستنسخة في الجوهر، تحكي عن المواضيع أو القصة نفسها لكن بكلمات مختلفة وتغييرات بسيطة لا تطاول العنوان حتى، مثل Babe i'm gonna leave you التي تعود في الأصل للفنانة جوان باز.
يمكن للمستمع المحترف، المطّلع أو العارف أن يعلم أصل الأغاني ويتعلّم أن يميّز الفارق بين الأصلي والتقليد، بين الفنّي المبتكر وبين الفنّي المسند إليه، إلا أن المعرفة الحقّة التي على كل مستمع أن يمتاز بها هي أن التاريخ الحديث للموسيقى الأميركية القائمة على استغلال صوت أصحاب البشرة السوداء ومعاناتهم، هو تاريخ قاتم بذاته.