أقرّ مجلس النواب اقتراح قانون يرمي إلى ترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق إلى رتبة ملازم. تمرير اقتراح القانون في مجلس النواب أحدث جلبة كبيرة، ولا سيما أن الملف لا يزال عالقاً أمام مجلس شورى الدولة. إزاء ذلك، انقسمت المواقف حياله. من جهة، يرى رافضوه أنه تجاوزٌ غير مبرر لدور السلطة القضائية، فيما كان بالإمكان ترك الكلمة الفصل للقاضي. هذا في الشكل، أما في المضمون، فيؤكد هؤلاء أن الترقية، إذا أُقرّت، ستُحدث خللاً في التراتبية العسكرية، باعتبار أن اقتراح القانون يلحظ ترقية المفتشين المعنيين إلى رُتبة نقيب بمفعول رجعي. وبذلك ستُقلب الآية داخل المديرية الأمنية لجهة أداء التحية والرتبة العسكرية، فيُصبح الرئيس مرؤوساً في عدد من الحالات. في المقابل، يتحدث مناصرو إقرار اقتراح القانون عن ظلم رُفع بفضل النواب. وفي هذا السياق، يصف أحد المطّلعين على الملف خطوة المجلس النيابي بأنها حبل نجاة انتشل المفتشين المظلومين على مدى السنوات التسع الماضية. ورأى المصدر المذكور أن السلطة التشريعية لم تتدخّل إلا بعد تيقنها من المخالفات الجوهرية التي طاولت أصل مباراة التطويع، التي أُجريت عام 2002، علماً أن اقتراح القانون الموجود حالياً بعهدة رئيس الجمهورية، حاز إجماع اللجان النيابية الثلاث (لجنة الدفاع والداخلية، لجنة الإدارة والعدل، لجنة المال والموازنة).وقد تباينت ردود الفعل بين مرحّب باقتراح القانون، ومتمنٍّ على الرئيس ميشال سليمان توقيعه من جهة، ورافض له من الأساس لأكثر من اعتبار. ولمّا وصل السجال إلى أشدّه، وبعدما نشر في هذه الصفحة تقرير بعنوان «خربطة سياسية في الأمن العام» (الثلاثاء الماضي)، أُرسل إلى مكاتب «الأخبار» ملفّ يتضمن أوراقاً تُفنّد اعتبارات تدعم ترقية المفتشين العشرين. وقد تضمنت الأوراق نقاطاً عدة، فبدأت بما مفاده أن مباراة التطويع التي أُجريت بتاريخ 4/4/2002 بموجب القرار رقم 217 الصادر عن وزير الداخلية والبلديات، آنذاك، الياس المر، الذي حدد «شروط تعيين ملازمين في الأمن العام من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق»، تضمّنت عدداً من المخالفات ناهز عددها الـ 13. وتسرد الأوراق المخالفات وفق ترقيم محدد، فتبدأ بمخالفة شرط السن المحددة سابقاً، لتشير إلى قبول خمسة ضباط تجاوزوا الحد الأقصى المحدد للعمر. وتذكر أنّ الاختبار النفساني أُعيد لمن رسب فيه، لافتة إلى أن نتائج الاختبار أُلغيت حتى بعد إعادة إجرائه. وتحدثت عن خفض معدّل الاختبار الرياضي إلى علامة 5/20، تسهيلاً لمن خشي رسوبه، ورغم ذلك أشارت إلى قبول ضابطين حازا أقل من خمسة على عشرين، كما تذكر الأوراق أنه جرى الطعن بقرار إعلان النتائج النهائية أمام مجلس شورى الدولة، الذي طلب من الإدارة تزويده نتائج الاختبار الخطي، لكن الإدارة رفضت. وأشارت إلى أن الإدارة فرضت عقوبة عشرين يوماً بحق المفتش الذي تقدم بمراجعة الإبطال أمام مجلس شورى الدولة، علماً أن الاعتراض أمام هذه الهيئة حق له.
هنا يذكر أحد المعنيين لـ «الأخبار» أن عزوف مجلس شورى الدولة طوال تسع سنوات عن بت النزاع يطرح العديد من التساؤلات، مشيراً إلى أن بت نزاع كهذا لا يُعدّ سابقة، إذ إنه في حالة مشابهة، تتعلق بالمباراة التي أجرتها المديرية العامة للأمن العام في 2006 لتطويع ملازمين من فئة مفتشين ممتازين وما فوق، من دون حيازة إجازة، والمعروفة بدورة الـ56، قرر مجلس شورى الدولة إبطالها، وأُلغيت الدورة التدريبية جرّاء قيام الإدارة بتعديل واحد في معدل إحدى المواد بعد إجراء الامتحان، كما يشير الى حالة مشابهة جرت عام 1988، عندما أُجريت دورة تطويع لمئة مفتش، طعن 12 منهم بالنتائج أمام مجلس شورى الدولة، فجرت ترقيتهم إلى رتبة نقيب بمفعول رجعي أُسوة بزملائهم الباقين. انطلاقاً من ذلك، وبما أن هناك أكثر من سابقة، فإن ترقية المفتشين العشرين لن تُحدث خللاً في التراتبية، كما يُشاع.
بناءً على ذلك، اتصلت «الأخبار» باللواء جميل السيد، الذي كان على رأس المديرية العامة للأمن العام خلال تلك الفترة، للوقوف منه على حقيقة الادعاءات، إثر إقرار اقتراح قانون ترقية المفتشين في المجلس النيابي. بدأ السيد كلامه بسؤال: «إن كان لهؤلاء حق، فلماذا لم يمنحهم إياه القضاء حتى الآن». تساؤل أطلقه السيد ليحدد مجموعة مسائل أناطها القانون بيد المدير العام للأمن العام لاختيار المرشحين لسلك الضباط. فتحدث عن العلامة التقديرية التي أُنيطت بالمدير العام وحده لقبول الحالات الخاصة المرتبطة بالعسكريين، وأبناء العسكريين، وحملة الشهادات العليا، مشدداً على ضرورة المحافظة على المناصفة الطائفية داخل المديرية. وأكّد قانونية جميع الخطوات التي اعتُمدت أثناء تلك الدورة، مشيراً إلى التباس وقع فيه المفتشون المعترضون يتعلّق بتاريخ القرارات الصادرة عنه. فذكر أن التعديل في شروط الترشّح حصل قبل إجراء الامتحان الخطي، مؤكداً أن قراراته لم تشمل أفراداً محددين لأي اعتبار، بل كانت شاملة للفئة العمرية بأكملها. أما ما يتعلق بقبول مرشحين راسبين، فقد نفاه السيد نفياً قاطعاً، مؤكداً أن ملف الاختبارات لا يزال موجوداً، ويمكن مراجعته، كما استغرب مطالبة المفتشين بما ليس حقهم، ولا سيما أن الضباط الأربعين الذين جرى قبولهم يفوقونهم في مجموع العلامات.
وسط أخذ ورد وحديث عن وثائق ومستندات، تبرز الحاجة إلى السؤال عن دور القضاء، الذي يُفترض به الإسراع لحسم النزاع، بعد انقضاء هذه المدة الطويلة، لكن، حتى ذلك الحين، يرفع أصحاب القضية أيديهم بالدعاء لتعجيل فرج طال انتظاره طوال تسع سنوات، ويستبشر 18 مفتّشاً وضابطَين في المديرية العامة للأمن العام بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال سليمان اقتراح القانون لتصديقه.



تحت القانون

تشير المعلومات المتوافرة إلى أن ملف اقتراح القانون لا يزال يُدرس في الدائرة القانونية في القصر الجمهوري، تمهيداً لتوقيع رئيس الجمهورية عليه وتصديقه أو إعادته إلى مجلس النواب لتعديله. وفي هذا الخصوص، وعلى خلفية إشارة أحد ضباط الأمن العام إلى أن المديرية العامة لن تطبّق القانون، نفى مسؤول أمني في الأمن العام ما نُقل باسم المؤسسة الأمنية، مؤكداً أن المديرية تحت القانون، وأنها بصدد تطبيقه في مختلف الأحوال، علماً أن هذا النزاع سابق لتعيين المدير العام الحالي اللواء عباس ابراهيم.
وفي هذا السياق، شدد مصدر مسؤول على أن الكلام الذي نقلته «الأخبار» في التقرير السابق عن لسان أحد ضباط المديرية، عن تدخل النوّاب لإقرار اقتراح قانون ترقية المفتشين، لا يُعبّر عن وجهة نظر المديرية العامة للأمن العام، ولا سيما أن سياسة المديرية في هذا الخصوص ترفض أن يوجَّه إلى سلطات رسمية أيّ كلام من هذا النوع، فكيف بها إذا كانت السلطة الأعلى في البلاد، وهي السلطة التشريعية.