أحدث السجناء «ضجّة» فانتبه البعض إليهم. إضرابهم عن الطعام، مع التهديد بالتصعيد، كان الوسيلة الوحيدة لإيصال صوتهم إلى الخارج. لكن الصوت، ربما، لم يكن كافياً للتفاعل من جانب المسؤولين. كان لا بد من تحرّك «اقتحامي» لأهالي السجناء حتى يصبح الموضوع في عهدة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.ولولا تدخل القوى الأمنية بشدة، أمس، لتمكّن أهالي السجناء، من إسلاميين وسواهم، من الدخول إلى مكاتب السرايا الحكومية، وذلك بعد نجاحهم في اقتحام البوابة الرئيسية وانتشارهم في الباحة الأمامية. صدى صرخات «الشعب يريد العفو العام» اخترق جدران مكتب ميقاتي. عندها، طلب أن يشكل وفد من الأهالي للاجتماع به. دخل الوفد وكان من ضمنه الشيخ نبيل رحيم الذي أخذ على عاتقه، منذ خروجه من السجن أخيراً، أن يتابع شؤون السجناء عموماً لـ«إبعاد الظلم عنهم». ظن ميقاتي بداية أن التحرّك هو لأهالي السجناء الإسلاميين فقط، فخاطبهم على هذا الأساس، قبل أن يوضح له رحيم أن الوفد مختلط ويمثل كل السجناء بمختلف انتماءاتهم.
رئيس الحكومة كان صريحاً مع الوفد. قال إنه لا خلفية كافية لديه عمّا يجري داخل السجون، أو أين أصبح هذا الملف على مستوى اللجان النيابية والقوانين المقترحة للعفو. سألهم إن كان مطلبهم هو خفض السنة السجنية، فأخبروه بأن هذا المطلب أصبح وراءهم، بعدما سقط في مجلس النواب قبل نحو 3 أشهر. عندها رفع ميقاتي سماعة الهاتف واتصل بالنائب غسان مخيبر، بعدما علم بأن الأخير قصد سجن رومية الخميس الماضي واجتمع بالسجناء. أخبره مخيبر بأن ما يقوله الوفد صحيح، وأن السنة السجنية باتت من الماضي، وأن الكلام اليوم يدور حول قانون للعفو، بعدما بوشرت مناقشة الموضوع في جلسة لجنة الإدارة والعدل الأسبوع الماضي. عاد ميقاتي إلى الوفد وطلب منهم الاستمرار في مسعاهم المطلبي، فأجابوه بأنهم يريدون جلسة استثنائية لمجلس الوزراء تكون مخصصة لموضوع السجون والعفو. لم يقطع لهم وعداً نهائياً بذلك، مكتفياً بالقول إنه سيتابع الموضوع مع المعنيين، مناشداً السجناء تعليق إضرابهم عن الطعام. رفع ميقاتي سماعة الهاتف مجدداً، واتصل بالمدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا، على مسمع وفد الأهالي، مستفسراً منه عن وضع الموقوفين من ذوي الخصوصية الأمنية، الذين مضى على توقيف بعضهم نحو 5 سنوات من دون أي محاكمة، علماً بأن أكثر قضاياهم محالة إلى المجلس العدلي.
مع انتهاء اللقاء، طلب ميقاتي من بعض مستشاريه الخروج مع الوفد لمقابلة الأهالي. حصل ذلك، في حضور مخيبر، فسجّل للسياسيين نجاح في امتصاص غضب الأهالي، من خلال وعود بمتابعة الموضوع «جدياً».
في تلك الأثناء، تلقى مخيبر اتصالاً من أحد المضربين عن الطعام من داخل السجن، وقد تمكّن الواقفون قرب النائب من سماع صراخه. وبعدما اطمأن مخيبر إلى وضع المتصل وزملائه، طلب منه أن ينقل إلى بقية السجناء تمنّيه تعليق الإضراب، والعودة إلى تناول الأدوية، لأنه «لا سمح الله في حال موت أحدكم، فإنه سيكون الوحيد الذي لن يستفيد من أي عفو عام لاحقاً، وبالتالي سيكون هو الخاسر الوحيد». وفي السياق نفسه، أوضح مخيبر لـ«الأخبار» أن إضراب السجناء «نجح في تحريك ملفهم. لكن الآن عليهم، وعلى ذويهم أيضاً، معرفة أن قضية مثل قضية العفو ليست أمراً يمكن أن يبتّ بين ليلة وضحاها، وبالتالي عليهم أن يصبروا حتى يأخذ الأمر مجراه القانوني والإداري». ولفت إلى أن بعض السياسيين «يطلقون وعوداً للسجناء من دون علم بتفاصيل القضية، وهؤلاء، للأسف، يبدون كمن يعيش في عالم آخر. ما يجب أن يعرفه السجناء هو أننا اجتمعنا (أمس) في لجنة حقوق الإنسان، بحضور وزير الداخلية مروان شربل، وقد اتفقنا على أن موضوع العفو المرتقب، الذي أرفض أن أطلق فيه وعداً، هو جزء من الحل، وفي حال إقراره بدون خطة إصلاح فإننا سنعود لنواجه المشاكل نفسها بعد مدّة».
يُذكر أن السجناء قرروا، بعدما وصلت إليهم التمنيات، تعليق إضرابهم لمدّة 15 يوماً، وذلك بحسب ما أكد لـ«الأخبار» أحد السجناء المعنيين بحركة الإضراب. هكذا، علّق السجناء إضرابهم، أملاً بـ«صدق مرتقب هذه المرّة، وإلا فإن ما سيحصل، في حال الكذب علينا، سيفاجئ الجميع».