على ما يبدو، بداية موسم قطاف ثمار الخرمة في البقاع ليست «ميمونة». فقد ارتبطت هذه البداية بالحديث عن الأسعار المتدنية لهذه الثمرة، التي تقلصت مساحاتها المزروعة من 4000 دونم إلى أقل من 1000 دونم. وبرغم هذه التقلصات، لا ينبئ الموسم الجديد بتحسن الأسعار عن الأعوام الفائتة، إذ إن هذه الثمرة، بحسب المزارع طوني السكاف، «لم تتغير حالها منذ مطلع الألفية الثالثة، لا في الأسواق المحلية ولا حتى في الخارجية». السكاف الذي يمتهن الزراعة منذ عشرات الأعوام، بات يفكّر جدياً، ومثله الكثيرون، بالتخلّص من شجرات بستانه بسبب المردود المادي القليل «الذي يكاد يساوي تكلفة الإنتاج التي تراوح بين 700 و800 ألف ليرة لبنانيّة للدونم الواحد، والتي تتضمن أكلاف المحروقات للري وثمن المبيدات والأدوية والأسمدة العضويّة والكيماويّة وأجور العمال». وبعد كل هذا الجهد، يباع «كيلو الخرمة بـ400 ليرة لبنانيّة، إذا كان من نوعية منيحة». ولتأكيد ما قاله السكاف، يشير أحد تجّار ومصدري الخضار والفاكهة زهير عبد اللطيف، الى أن أسعار «بيع الخرمة تخضع لحركة سوق العرض والطلب، وهي لا تزال تحافظ على هذه الوتيرة منذ أكثر من 15 عاماً، بحيث تباع الشرحة الواحدة من البلاستيك، ما بين 2,5 و3 كيلو، بـ2500 أو في أحسن الأحوال بـ3000 ليرة لبنانيّة بالمفرّق، وبنسبة أرباح متدنيّة تراوح بين 500 و750 ليرة». ربح بالكاد يفي تعب «حملها للتخمير والتوضيب والنقل إلى الأسواق». هذا محلياً، أما بالنسبة إلى الكميات التي تصدّر إلى الخارج، وخصوصاً إلى دول الخليج، فيلفت عبد اللطيف إلى «أن مردودها المادي لا يكاد يغطي نفقات النقل، ولولا التعويضات الماليّة التي نحصل عليها من برنامج دعم الصادرات الزراعيّة إكسبورت بلاس، لما استطعنا تصدير طنّ واحد». وفي هذا الإطار، يشير إلى أن «شركة إيدال بدأت أوائل هذا الشهر بدفع مبلغ 60 ألف ليرة لبنانيّة عن كل طن مصدّر، وننتظر الوعود برفع هذه النسبة لتصل الى 120 الف ليرة للطن الواحد مطلع العام المقبل».
بعيداً عن هموم الأسعار المتدنيّة، ينتقل عبد اللطيف إلى الحديث عن «أسماء وأنواع» هذه الفاكهة التي تختلف بين بلد وآخر. ويقول ان «اسمها الأصلي هو البرسيمون، وتعرف في لبنان بالخرمة أو الكاكي، والبعض يعرفها بالمانغا، ويوجد منها نوعان: البلحي الشبيهة ثمرته بثمرة البلح، والنوع الثاني وهو الكبير الحجم والمعروف في الأسواق». وعن أصولها، يقول المزارع يوسف يونس إنها «ترجع إلى الصين، وثمارها صفراء اللون تميل إلى الحمرة، وهي من بين الأطعمة التي كانت تقدّم إلى الآلهة نظراً لمذاقها الحلو وغناها بالفيتامينات والعناصر المعدنيّة، والغلوكوز والبركتوز». ولم تنتقل تلك الثمرة إلى المناطق الجنوبية لأوروبا إلا أوائل القرن التاسع عشر. وإلى سهل البقاع؟ يقول يونس إن «أول من حملها إلى السهل، وتحديداً منطقة زحله، هم أبناء الطائفة السريانيّة (الماردينيّة نسبة إلى منطقة ماردين في تركيا) الذين هجروا من تركيا في عشرينيات القرن الماضي، وسكنوا في الطرف الشرقي لزحلة». ويشير إلى أن «إنتاج الشجرة بعد اكتمال نموها قد يصل إلى أكثر من 150 كلغ في الموسم».
وبحسب يونس «تزرع هذه الشجرة في جميع أنواع التربات، على أنه يفضّل أن تكون في الأتربة الحمضيّة، وفي مناطق ترتفع عن سطح البحر ما بين 500 و1500 متر». أما عن طريقة ريّها، فهي «تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه للحصول على ثمار كبيرة الحجم، كذلك يفضّل جني محصولها قبل نضوج ثمارها (فجّة) تمهيداً لتخزينها في غرف مغلقة شديدة الإحكام، بغرض تخميرها لمدة 4 أيام حداً أقصى، وذلك بواسطة مادة الكربير التي تمزج بالمياه وتوضع داخل المكان، بحيث يساعد تبخّرها على نضوج الثمار قبل طرحها في الأسواق». ثمة طريقة أخرى للتخمير، يتبعها الأهالي وتقوم «على مبدأ التخمير المنزلي، بحيث تعبأ الثمار الفجّة في أقفاص صغيرة، وتوضع معها تفاحتان ناضجتان، ثم تغطى جميعها بقطعة من القماش لحجب الضوء عنها لمدة عشرة أيام تقريباً».
الميزة الوحيدة لهذه الثمرة أن أمراضها «قليلة، وتكاد تكون معدومة، ومكافحتها لا تحتاج إلا لرشها بالمبيدات مرتين: الأولى قبل تفتّح البراعم والثانية مع بدء مرحلة تكوّر الثمرات مطلع شهر أيلول»، يقول يونس. ويمكن حصرها بـ«بعض الحشرات مثل البقّة المعبّرة وذبابة البحر المتوسط والنمل والفراش الأبيض».