تشهد نقابة المحامين في طرابلس، غداً، أول انتخابات تكميلية في تاريخها تتميّز بهذه الحدّة من الاصطفاف السياسي، بعدما ضاقت الخيارات لترسو على أربعة مرشحين من أصل ثمانية، انقسموا بين معسكري 8 و14 آذار، ما جعل هامش المناورة ضيقاً إلى أبعد الحدود.الملامح الأولى للانتخابات في «أمّ النقابات» الشمالية من أجل انتخاب عضوين بديلين من عضوين انتهت مدّة ولايتهما هما النقيب السابق أنطوان عيروت وفهد المقدم، تبلورت أخيراً، بعد تبني قوى 8 آذار (تيار الرئيس عمر كرامي، تيار المردة، الوطني الحر، الحزب السوري القومي، جبهة العمل الإسلامي وآخرين) المرشحين عبد القادر التريكي ومنير داود، وتبنّي قوى 14 آذار (تيار المستقبل، القوات اللبنانية، الكتائب، وغيرها)، بالتنسيق مع الجماعة الإسلامية، كلاً من المرشحين توفيق بصبوص وأسعد موراني، ما دفع بالمرشحين سعدي قلاوون وإيلي ضاهر وناظم العمر وأحمد الكرمة إلى الانسحاب. ومع هذا الاصطفاف، يتوقع مراقبون مفاجآت قد تقلب الأمور، خصوصاً أن هذه الانتخابات تُعدّ أول جسّ نبض للتحالفات وتشكّل تمهيداً لانتخاب نقيب جديد العام المقبل يخلف النقيب بسام الداية، و«بروفة» مصغرة قبل استحقاق 2013 النيابي. لذا فإن نتيجة هذه الاستحقاق النقابي معلّقة أساساً على ثلاثة معطيات:
أولها، التوجّه الذي ستسلكه كتلة الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي، بعدما أجّلا إعلان موقفيهما إلى اليوم، ما جعل حسابات الربح والخسارة غير نهائية، لأن كتلة ميقاتي ــــ الصفدي تضمّ ما يزيد على 100 محام، فيما تضمّ كتلة المستقبل نحو 75 محامياً، من أصل 1087 منتسباً.
ومع أن المعنيين في كلا الفريقين، 8 و14 آذار، جهدا لمعرفة توجه «الكتلة الوسطية»، وسعوا الى كسبها إلى صفوفهما، كلياً أو جزئياً، كشفت مصادر مقربة من هذه الكتلة لـ«الأخبار» أن «توجّهنا حتى الآن هو أن نبقى على الحياد، وأن نترك لقاعدتنا الخيار».
وثاني المعطيات التصدّعات داخل صفوف فريق 14 آذار. إذ إن الاستياء بين مسيحيي هذه القوى من عدم تبني تيار المستقبل أحد خياراتها أو مراعاة وضعها، قد يدفع بعض شرائحها إلى العزوف عن المشاركة. كما أن الصورة ليست أفضل حالاً داخل صفوف التيار الأزرق، بعدما كشفت الترشيحات عن تصدّعات داخله، إذ إن تبني بصبوص، المُقرّب من النقيب السابق رشيد درباس، على حساب قلاوون المقرب من النائبين سمير الجسر وبطرس حرب، أحدث خضّة في أوساط التيار لم تزل تردداتها قائمة. وأوضح مصدر مطلع في تيار المستقبل لـ«الأخبار» أن «تسميتنا بصبوص بدلاً من قلاوون تعود إلى كون الأول طرابلسياً، بينما الثاني من سكان البترون. وبسبب التنافس الشديد بيننا وبين ميقاتي والصفدي وفريق 8 آذار، لا يمكننا تبنّي مرشح من خارج المدينة». غير أن وجهة النظر هذه لا تعكس سوى نصف الحقيقة، لأن النصف الآخر يكمن في «صراع الأجنحة» داخل المستقبل. إذ إن ترشيح بصبوص يعدّ نكسة للجسر، وهو نقيب سابق للمحامين، بعدما تبيّن أنه غير قادر على ترجيح كفة خياراته في نقابة يفترض أن ملفها بيده، وفي ظل همس تتحدث عنه الأوساط السياسية في طرابلس، يفيد بأن الجسر سيجد نفسه مضطراً إلى خوض انتخابات 2013 في وجه منافسين سيخرجون من رحم النقابة، أبرزهم النقيبان السابقان درباس وخلدون نجا، إلى جانب النقيب الحالي الداية.
أما ثالث المعطيات فهو الموقف الذي ستتخذه الكتلة المستقلة، وهي الكتلة التي أثبتت العام الماضي في دعمها المرشح نواف المقدم إلى منصب النقيب، أنها تمون على 35 ــــ 40 في المئة من أصوات المحامين. وفي ظلّ عدم وجود خيار ثالث، فإن هذه الكتلة ــــ في إطار إثباتها أنها رقم صعب داخل النقابة وترفض تهميشها من قبل القوى السياسية ــــ قد تتجه إلى السير في أحد خيارين: الأول انتقاء مرشح من هذا الفريق وآخر من الفريق المنافس، لتظهر أن لها تأثيراً في ترجيح الكفة، أو الانكفاء عن المشاركة لتجعل من أصوات المقاطعين دليلاً آخر على قوة حضورها.