عكار | ليست جديدة الشكاوى من سوء أوضاع أقلام النفوس في منطقة عكار، وافتقارها إلى أدنى المقوّمات التي يتطلّبها تسيير عمل المؤسسات الحكومية المعنية بالتعاطي المباشر مع حاجات المواطنين اليومية. قلم نفوس حلبا، على سبيل المثال، «يقبع» في أحد أقبية سرايا حلبا، فيما يعاني قلم نفوس القبيات ضغط المعاملات التي لا تتناسب وضيق المكان. لكن، مع ذلك، قد يعدّ هذان القلمان مركزين «نموذجيين»، ولو شكلاً، إذا ما قورنا بقلم نفوس العبدة.هنا، لا شيء يشي بوجود مؤسسة حكومية رسمية. بعد دوار العبدة، مباشرة، يوجد سوق السمك المركزي، وبعده بأمتار تتداخل محلات اللحم والفروج والخضار. للوصول إلى قلم نفوس العبدة يحدد لك أحد الباعة نقطتي ارتكاز، الأولى محل «سندويش المصري»، الذي تعلوه لوحة «لحم بلدي، غنم، فروج، ومشاوي على الفحم»، والثانية «مسمكة السلطان»، وبين النقطتين كاراجات لإصلاح السيارات تلمح بينها لافتة مكتوب عليها: «الجمهورية اللبنانية، وزارة الداخلية والبلديات، قلم نفوس العبدة».
بعد عشر سنوات على افتتاح قلم نفوس العبدة في هذا المكان، قرر مخاتير منطقة القيطع في عكار أن نفوسهم باتت تأبى «البهدلة والذل»، مطالبين بـ «توفير مكان جيد مع مواقف للمخاتير والموظفين والمواطنين»، بحسب مختار برج العرب فاروق الجبلي. ولهذا السبب، نفذ مخاتير القيطع في 25 من الشهر الماضي اعتصاماً رمزياً أمام القلم، احتجّوا خلاله على «الفوضى داخله»، وعلى «المعاملة السيئة» التي يلقونها من موظفيه، مشيرين إلى «رشى يتقاضاها الموظفون لتمرير المعاملات»، ومطالبين بـ «نقل مركز قلم النفوس إلى مكان يليق بالمنطقة وأهلها».
وبعد يومين على الاعتصام، أصدر المخاتير بياناً توضيحياً لتأكيد مطالبتهم بـ «نقل قلم النفوس من المخازن التي لا تليق بالمخاتير وبالموظفين»، مشيرين الى أن «الفوضى والرشوى لا تشمل كل الموظفين، بل أحد الموظفين النافذين»، ولافتين الى أن «الموظف المقصود يفتعل دائماً مشاكل مع المخاتير، ويستفزهم حتى تحصل الفوضى، وهو يضغط على المخاتير الذين تقدموا بشكوى ضده للتراجع عن الشكوى مقابل تيسير معاملاتهم». وشدّد البيان على «أن رئيس قلم نفوس العبدة وبعض الموظفين هم من الشرفاء والأكفاء».
يؤكّد مخاتير القيطع أن نقل مركز قلم النفوس ليس مهمة صعبة. ويشير مختار فنيدق محمد خلف الى أن هناك عقاراً مناسباً على مسافة قريبة من المركز الحالي، وهو ملك للدولة اللبنانية ويحوي مبنى جاهزاً يتبع لإحدى وزارات الدولة، لكنه شاغر، متسائلاً: «لماذا الاستهتار بـ 35 بلدة وقرية عكارية وحشر مواطنيها في كاراجات لا تليق بهم».
ويشير المختار علي الكك، من بلدة فنيدق أيضاً، الى «المعاملات والوثائق المبعثرة»، ويقول: «لا يعقل أن ننتظر 7 ساعات حتى نحصل على وثيقة»، كما أن «بعض عائلات من فنيدق لا تزال من دون هويات بسبب تلف السجلات والوثائق». وقال إن معقبي المعاملات يلقون معاملة طيبة واحتراماً أكبر مما يلقاه المخاتير فـ «الموظفون يخرجون من مكاتبهم لاستقبالهم». وعلمت «الأخبار» أن تجاذبات محلية تتعلق بتوزع السكن بين جرد القيطع وساحله تؤخّر معالجة أزمة قلم نفوس العبدة، إذ إن هناك انقساماً بشأن اقتراح يتعلق بافتتاح قلم نفوس للمنطقة في بلدة مشمش، واستبداله بقلم العبدة، لأن البعض يريد أن يكون القلم في المنطقة الساحلية نظراً إلى سهولة المواصلات، مقابل صعوبة الانتقال إلى بلدة مشمش، التي ترتفع زهاء 1100 متر عن سطح البحر.
أما في ما يتعلق بالاعتصام الرمزي الذي تخلله اتهام بعض الموظفين بتلقي الرشى، ثم تلاه صدور بيان توضيحي في هذا الشأن، فتحدثت أوساط، رفضت الإفصاح عن نفسها، عن «طموحات شخصية» تتعلق برئاسة المركز، أسهمت في رفع وتيرة الاحتجاجات.