نجاة حشيشو لن تيأس في رحلة بحثها عن العدالة المؤجلة في جريمة اختطاف زوجها محي الدين قبل ثلاثين عاماً. قطعت هذه المرأة المحيط الأطلسي عائدة من الولايات المتحدة الى لبنان كي تحضر جلسة محاكمة ثلاثة متهمين بخطف زوجها من منزله في عبرا بتاريخ ١٥ آذار ١٩٨٢.هبطت الطائرة التي تقل حشيشو في مطار بيروت قبل أسبوعين قاطعة زيارة عائلية لأولادها المقيمين في الولايات المتحدة، كي لا تغيب عن حضور جلسة من سلسلة جلسات ممتدة منذ حوالى عشرين عاماً أمام محكمة جنايات صيدا، تناوب على النظر فيها عدة قضاة ومحققين ومحامين، ولم يُنطق بعد بالحكم في قضية الخطف الوحيدة من حقبة الحرب الأهلية اللبنانية التي رفعت أمام القضاء اللبناني.
وكانت القاضية رلى جدايل قد أرجأت النظر في القضية ستة أشهر خلال جلسة عقدت في ١١ ايار ٢٠١١ بعدما تقدم المحامي سليمان لبّوس بتقرير موقّع من الطبيب رمزي عزيز يفيد بأن موكله سعيد قزحيا يعاني ألماً في أسفل الظهر، وتلزمه الراحة ثلاثة أيام، وأنه يتعذّر عليه الركوب في السيارة. كذلك أعلنت القاضية جدايل أنها تحتاج الى وقت إضافي للنظر في طلب المحامي لبّوس، الذي تقدم به قبل ثمانية أشهر ويطلب فيه «ضمّ المحاضر وإعادة الاستماع إلى الشهود».
أمس غابت القاضية جدايل عن الجلسة بداعي السفر الى السعودية لأداء فريضة الحج، فتولى القاضي نسيب ايليا الجلسة، التي عقدت في قاعة جنايات صيدا، وعاونته القاضية هدى الحاج والقاضي الياس عساف، والى اليمين جلس ممثل النيابة العامة القاضي مرسال حداد. وحضر أمام المحكمة المتهم فؤاد شاكر يرتدي زي شرطة بلدية لبعا، برفقة محاميه جورج نجم، والمتهم نصر محفوظ برفقة محاميه ريشار شمعون، والمتهم سعيد قزحيا برفقة المحامية ليديا حنين بالوكالة عن المحامي سليمان لبّوس.
اللافت أنها المرة الأولى منذ سنوات التي يحضر فيها المتهمون الثلاثة ومحاموهم، إذ يُظهر جدول جلسات المحكمة في هذه القضية المرفوعة منذ عام ١٩٩٣ أنه بين ١٢/٢/٢٠٠٢ و٢٨/١٠/٢٠٠٧ تغيّب المتهمون أو محاموهم بالتناوب عن جميع الجلسات، ما أدى إلى تأجيلها: محفوظ (١١ مرة) قزحيا (١١ مرة) شاكر (٤ مرات) محامون (٣ مرات).
جديد جلسة أمس أن القاضي ايليا قرر عدم السير في الدعوى، وتوجه الى وكيل المدعية نجاة حشيشو المحامي نزار صاغية بالقول: «الجلسة التي أديرها اليوم مرجأة للنظر في ضم المحاضر والاستماع الى الشهود، وأنا اطلعت على الملف اليوم، ولست الهيئة الأصلية التي تنظر في الدعوى (القاضية جدايل) لذلك فإنني سأؤجل الدعوى الى جلسة تعقد في ٢١ كانون الثاني ٢٠١٢». وأضاف القاضي ايليا «جميع المحامين الحاضرين اليوم يعرفون أن مشكلتي أنني لا أخاف، ولو كنت مكلفاً بالأصالة لنظرت في الدعوى في هذه الجلسة، لكن الأصول تقضي بأن تقرر الهيئة الأصلية في الملف».
تأجيل جديد إذاً لشهرين إضافيين في قضية مرفوعة منذ ١٩ عاماً أمام القضاء اللبناني، قضية تلخص رحلة معاناة آلاف أسر ضحايا الإخفاء القسري وعلامات استفهامهم التي لم تجد أجوبة عنها.
سناريوهات عدة متوقعة في الجلسة المقبلة، السناريو الأول غياب احد المتهمين او المحامين بتقرير طبيب شرعي مصدق عليه من وزارة الصحة بطابع مالي بقيمة الف ليرة، أما السناريو الثاني، فهو غياب القاضية جدايل عن الجلسة كما حصل أمس، ما يعني تأجيلاً جديداً ناتجاً عن غياب الهيئة الأصلية، بينما السيناريو الثالث هو انعقاد الجلسة، وهذا يستدعي من القاضية القيام باستنطاق نهائي للمتهمين، وتقويم إفادات الشهود وتحديد جلسة نهائية للنطق بالحكم.
أسئلة عديدة تطرح في قضية اختطاف محي الدين حشيشو. من يخاف النطق بالحكم؟ ولماذا استخدم القاضي ايليا عبارة «أنا لا أخاف» في معرض تبريره إرجاء الدعوى؟ ولماذا تولى رئيس هيئة التفتيش القضائي اكرم بعاصيري القضية فترة عشر سنوات ولم ينطق بالحكم؟ وهل نحن أمام محاكمة ثلاثة مواطنين من بلدة لبعا في شرق صيدا أم محاكمة ميليشيا القوات اللبنانية التي كانوا ينتمون اليها عام ١٩٨٢؟
توثّق الدعوى أن الجهة التي نفذت الخطف هي القوات اللبنانية، وهذا ما يتضمنه قرار القاضي ردّ الدفوع الشكلية بتاريخ 12/6/2003، المقدم من محامي ثلاثة متهمين، بعدما قادت روايات الشهود وعناصر التحقيق إلى الادّعاء عليهم. ولقد جاء صراحة في نص القرار العبارة الآتية: «يتبين من الاطلاع على أوراق الدعوى أن الجرم المسوق بحق المتهمين الثلاثة... يتعلق بحادث الخطف الذي تعرض له السيد حشيشو على أيدي عناصر من القوات اللبنانية في منطقة شرقي صيدا». وهذا أيضاً ما نقرأه في مضبطة الاتهام لجهة «أن بعض المسلحين من القوات اللبنانية قد أقدموا على خطف حشيشو».
ويُستدل من إفادة أحد المتهمين أمام قاضي التحقيق سعيه إلى تبرئة القوات اللبنانية من الخطف، وذلك من خلال الادّعاء أن «قوى عدة كانت نافذة آنذاك في المنطقة»، ما يشير إلى نيّته إخفاء معلومات. في السابق كانت القوات اللبنانية تنأى بنفسها عن هذه القضية، لكن صدور قانون العفو الخاص عن رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ودخول «القوات» في الحياة السياسية، عززا حضورها في المحاكم، إن لجهة الدعاوى المكثفة في محكمة المطبوعات، أو لجهة استعادة مؤسساتها الإعلامية، وليس دخول وكيل جعجع، المحامي سليمان لبّوس، على خط الدفاع عن أحد المتهمين في خطف محي الدين حشيشو إلا مواجهة قواتية مباشرة يفترض أن يحسمها القضاء.