قرر مجلس الوزراء، في جلسته التي عقدت في 5 تشرين الأول 2011 برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، إلغاء المباريات التي أجريت لوظيفتي كاتب ومباشر في ملاك المساعدين القضائيين في ملاك وزارة العدل. وتقرر الإجازة لوزارة العدل إجراء مباريات جديدة لملء 50 في المئة من المراكز الشاغرة في هذه الوظائف. هذا كان مضمون المقرر 11 الذي نزل كالصاعقة على منتظري نتائج الدورة الثانية التي حوّلتها الحكومة أثراً بعد عين. أُلغيت الدورة المنتظرة، فخابت آمال كثيرين بذلوا الجهد والمال والوقت في سبيلها. لم تُثمر الزيارات التي قامت بها وفود المرشحين إلى مكتب وزير العدل شكيب قرطباوي، والوعود التي قطعها الأخير لهم بأن نتائج الدورة ستُبصر النور، راحت أدراج الرياح. الرياح نفسها عاكست أشرعة قرطباوي في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة. فرغم استفاضته في الشرح لزملائه بأن «العدلية باتت بلا موظفين»، وتأكيده ضرورة المضي قدماً في هذه الدورة، إلا أن التوجّه في المجلس كان نحو إلغائها. واستند أصحاب خيار الإلغاء إلى أن الخطأ موجود في صياغة القرار الذي أُجريت المباريات على أساسه. وبذلك، قرروا اعتبارها ونتائجها بحكم الملغاة.وعلمت «الأخبار» أن مناورة الوزير لم تنجح في تمرير المباريات، إذ حثّ، بداية، زملاءه على المضي فيها لملء نصف الشواغر، لكنهم لم يوافقوا. ثم طالب بسد ثلاثين في المئة من الشواغر، فعشرين في المئة، إلا أن الإصرار بقي على إلغاء الدورة. وأدى ذلك إلى حال من الإحباط سادت أوساط المرشحين الذين حمّلوا وزير العدل مسؤولية الإلغاء، لأنه، في رأيهم، كان بإمكانه إعلان النتائج من دون اللجوء إلى مجلس الوزراء، استناداً الى ما أكده قرطباوي نفسه أمامهم، أكثر من مرة، من أن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال كان يحق له إعلانها. ورأى هؤلاء أن «فذلكة» الوزير لرفع العدد المقبول، أطاحت أساس الدورة، إذ كان يمكنه إعلان النتائج لاختيار المرشحين المقبولين قبل أن يرجع إلى مجلس الوزراء ليطلب عدداً إضافياً. واتهم عدد من المرشحين الوزير قرطباوي بالسير على خطى سلفه ابراهيم نجار، غير آبهٍ بأشهر الانتظار التي انقضت من حياة مئات الأشخاص هدراً.
وأشار معظم المرشحين، صراحة، إلى أن إلغاء الدورة كان بسبب انعدام التوازن الطائفي بين المتقدمين، وذلك لمصلحة أبناء الطوائف الإسلامية. وتساءل هؤلاء: «هل يفترض بكل مرشح مسلم أن يحضر مرشحاً مسيحياً معه من أجل ضمان التوازن الطائفي؟».
وعلمت «الأخبار» أن المرشحين الذين ألغيت نتائج اختباراتهم بصدد التجمع احتجاجاً أمام وزارة العدل صباح يوم الجمعة المقبل، للمطالبة بالرجوع عن قرار الالغاء.
ويطرح إلغاء الدورة أسئلة عن الهدر المالي الذي تتكبّده الخزينة جراء قرارات متسرعة، إذ إن مصادر مطلعة أكدت لـ «الأخبار» أن المباراة الأولى التي أُلغيت كلّفت الدولة نحو 300 مليون ليرة كلفة قرطاسية وتصحيح ومراقبين، فضلاً عن الوقت الذي أهدره القضاة في تصحيح المسابقات، والأمر نفسه تكرر في الدورة الثانية، وبذلك أُهدر نحو 400 ألف دولار من دون فائدة.
الإحباط من القرار الحكومي لم يقتصر على المرشحين، بل انسحب أيضاً على القضاة والموظفين الذين استبشروا خيراً بالقادمين الجدد باعتبار أنهم سيتقاسمون معهم الضغط المتراكم منذ سنين. فعدد القضاة في «العدلية» بات يفوق أعداد الموظفين الذين يحددهم الملاك بـ 1855 موظفاً، فيما لا يوجد من هؤلاء أكثر من 450 موظفاً. الدعوة إلى دورة جديدة ستصدر خلال أيام. ومعظم المتقدمين السابقين بصدد التقدم مجدداً، رغم الإجماع على أن «النفوس ملّت من تكرار السيناريو نفسه». أما العدد المطلوب قبوله، فيبلغ 700 موظف، أي نصف شواغر الملاك البالغ 1400 موظف. وفي هذا الإطار، تبرز مشكلة مستجدة، إذ يُشترط بالمتقدم إلى المباراة أن لا يكون قد تجاوز الخامسة والثلاثين من العمر، فهل يُحرم من تجاوز هذا العمر ممن تقدموا سابقاً من التقدم الى الدورة المنتظرة، أم تُسوّي الوزارة التي تتحمل المسؤولية أوضاعهم؟ حتى ذلك الحين، سيبقى النقص في عدد المساعدين القضائيين مستمراً حتى إشعار آخر. وهو نقصٌ يؤثّر، حكماً، في سير العدالة بسبب تراكم الملفّات وتعطيل الدعاوى القائمة.



تكريس الطائفية في جميع الوظائف؟

يؤكد المتقدمون إلى مباراة المساعدين القضائيين الملغاة أن المحاصصة الطائفية كانت السر الكامن خلف إلغاء دورتهم المنتظرة منذ نحو سنة. استناداً إلى ذلك، يستغربون سعي مجلس الوزراء، بطريقة مواربة، إلى تطبيق مبدأ المناصفة بين الطوائف الإسلامية والمسيحية في توزيع الوظائف الخاصة بفئات الدرجات الثالثة والرابعة والخامسة، بينما اتفاق الطائف واضح لجهة النصّ على أن المناصفة بين الطائفتين تنطبق في وظائف الدرجة الأولى فقط. ويقول هؤلاء إنه حتى لو أُعيدت المباراة، فإن النتيجة ستكون نفسها، لأن الإقبال بين المسلمين سيكون أكثر منه عند المسيحيين. فهل المطلوب تكريس الطائفية في كل فئات الوظائف أم المطلوب فتح دورات طائفية تكون كل منها مخصصة لأبناء طائفة محددة؟




لقطة

تحتاج قصور العدل والمحاكم المنتشرة على جميع الأراضي اللبنانية، منذ سنوات طويلة، إلى موظّفين يعاونون القضاة في أعمالهم وملفّاتهم. وبحسب مطلعين على أوضاع العدلية، فإن النقص الفادح في أعداد المساعدين القضائيين يؤدي الى إعاقة الملفات القضائية وتأخير بتها، ولا سيما أن المكننة في هذه الدوائر تكاد تكون معدومة. وفي هذا السياق، لا يتحمل القضاة والموظفون المسؤولية عن التقصير الحاصل، بل إن السياسات الحكومية المتعاقبة تتحمل الوزر الأكبر من هذه المشكلة، علماً أن النقص الكبير في الأعداد ناجم عن التقاعد والوفاة. أضف إلى ذلك، أن دوائر العدلية بحاجة ماسة إلى ضخّ دماء جديدة لإعادة تنشيط دورة العمل فيها، علماً أن آخر عملية توظيف في العدلية حصلت قبل نحو 17 عاماً.