درج معظم القضاة في لبنان، في الفترة الماضية، على الشكوى من سوء أوضاعهم المادية. بعضهم قرر ترك الجسم القضائي للعمل في مجالات مختلفة، تكون أكثر مردوداً، أبرزها في مكاتب الاستشارات القانونية داخل لبنان وخارجه، في دول الخليج تحديداً. هذه الشكوى، المحقّة باعتراف كل المسؤولين، كان يُعلّق عليها كل تقصير و«ارتخاء» في إنجاز الملفات وإصدار الأحكام. أما اليوم، وبعد إقرار سلسلة رواتب القضاة قبل نحو شهرين، بزيادة الضعف تقريباً، لم يعد هناك ذريعة لأيّ تقصير أو إهمال، بحسب ما ينقل أحد المتابعين عن وزير العدل شكيب قرطباوي.
ولم يكن الاجتماع القضائي الموسّع، الذي عُقد قبل أسبوع بين قرطباوي والقضاة، بعيداً عن هذه الأجواء. فبحث في عمل النيابات العامة وقضاة التحقيق، بما في ذلك «التعجيل في قضايا الموقوفين والتوقيف الاحتياطي». كما كان اللقاء، بحسب ما نقلت مصادر الى «الأخبار»، مناسبة للتعارف بين الوزير والقضاة، وللتداول في «كل الشؤون التي تعني الجسم القضائي». وقد حرص قرطباوي على تذكير القضاة بأنه «لا يمثل سلطة وصاية عليهم، وأنه حريص على استقلاليتهم، وبالتالي فإن علاقته بهم ستكون محصورة وفق الصلاحيات التي ينص عليها القانون فقط». ونقل إليهم هواجس الناس، وتطرّق إلى الإشكاليات التي تعترض عمل «بعض القضاة مع الناس، وأيضاً مع المحامين، حيث يشكو كثير من المتقاضين أمام المحاكم من اتفاقيات مبطّنة بين القاضي والمحامي على حساب المتقاضي». وقال: «الشعب اللبناني أنصفكم فأقرّت زيادة رواتبكم، وبالتالي لا بدّ اليوم من إنصاف الناس».
وأكد الوزير، ابن «كار المحاماة» والخبير بالألاعيب التي يمكن أن يلجأ إليها العاملون داخل العدليات، للقضاة أن مسألة تأجيل الجلسات لا يجوز التساهل بها، لأن كل تأجيل يعني «حجز حرية، وهو بالتالي ظلم افتراضي، لأن التوقيف هو الاستثناء والحرية هي القاعدة». كما تطرّق إلى علاقة القضاة برجال الأمن، الذين يمثلون الضابطة العدلية في المخافر وسواها. فذكّر القضاة بأنهم رؤساء الضباط والعناصر الأمنيين في قضايا توقيف المواطنين، ولذلك عليهم «ألا يكتفوا بما يتلقونه من اتصالات هاتفية من المخافر عن حال الموقوفين. صحيح أنه ليس بإمكان القاضي أن يذهب إلى كل المخافر التي تشهد يومياً عشرات الادّعاءات، لكن عليه أن يكون أكثر خبرة وفطنة، لأن المخافر يحصل فيها أحياناً ما لا يمكن القبول به، بل ما يتطلب محاسبة ومعاقبة، كحالات التعذيب والإهانة والإذلال». وفي هذا السياق، علمت «الأخبار» أن وزارة العدل طلبت اعتمادات مالية عاجلة، بهدف شراء فاكسات يُسدّ بها النقص، حتى يُصار إلى مراسلة القضاة من جانب المخافر في كل قضية، ليتمكن القاضي من فهم المعطيات بعد قراءة التحقيقات، ثم يبني على الشيء مقتضاه.