10% هي النسبة التي بقيت مفرودة لـ«الثوم» في البقاع من أصل 2500 دونم كانت تزرع سنوياً. في الماضي، كان الثوم يؤمن مصروف الجيب ومؤونة البيت، أما اليوم فقد تبدل الواقع. تراجعت الزراعة كلياً، حتى لم يعد يوجد الثوم إلا في «مساكب» البيوت وبعض المساحات الصغيرة في القرى، التي لا يزال بعض سكانها يفضّلون تموين حاجتهم السنويّة منه. تراجعت هذه الزراعة، ليس لأن المزارعين سئموها، بل لأن «الثوم الأجنبي» احتل الأسواق اللبنانية التي كانت في ما مضى مفتوحة أمامهم. أزمة فاقمها دخول «المستورد»، فكان من آثارها المباشرة تعفّن مئات الأطنان من الثوم المكدسة في المستودعات موسم عام 2008، وتحوّل المزارعين إلى زراعات أخرى. لكن حتى هذه الزراعات لم تشف الغليل؛ فأشجار الفاكهة التي استبدلوا بها الثوم تضرب قبل أن تقطف، والخضار يعاني أصلاً من كساد في الإنتاج، بسبب الأسعار المتدنية داخلياً وصعوبة إيجاد أسواق خارجية.
كل هذا، ولا مساعدة. وهنا، يحمّل رئيس نقابة المزارعين في البقاع إبراهيم الترشيشي الحكومات جزءاً من مسؤولية تراجع زراعة الثوم. ويعلّل السبب بالقول إن «خفض الضريبة الجمركيّة من 500 دولار إلى 500 ألف ليرة لبنانيّة على الكميات المستوردة من الصين، أدى إلى إغراق السوق اللبنانية بآلاف الأطنان من الثوم». هذا الإغراق كانت له نتيجة واحدة: سعر «بالبلاش»، يقول، حيث كان يباع الكيلوغرام الواحد «بسعر يراوح بين 1000 و1500 ليرة لبنانية».
هكذا، لم تعد محاربة «المستورد» واردة أصلاً إلا بإعادة إحياء الإنتاج المحلي. لكن، هذا «الإحياء» يتطلب من الدولة اتخاذ جملة خطوات، يقول الترشيشي. ويعددها «رفع الضريبة الجمركيّة على الثوم المستورد للاستهلاك المحلي ووقف استيراد هذه السلعة وفق روزنامة تبدأ في الأول من أيار وتنتهي أواخر تشرين الثاني من كل عام، وهي المدة الكافية لتصريف الإنتاج المحلي، إضافة إلى منع التهريب عبر الحدود البرية وفرض غرامات مرتفعة على المخالفين».
كلام الترشيشي يؤكده المزارع أحمد الخطيب، وهو الذي كان قد انقطع على مدى ثلاث سنوات عن زراعة الثوم، بعد أن تكبّد خسائر كبيرة. يتحسّر الرجل على أيّام «كانت فيها زراعة الثوم تطعم خبزاً».
ما كان يطعم خبزاً بات الآن «عبئاً»، يقول عبد الله طقطق، صاحب إحدى عربات بيع الخضار في بلدة سعدنايل. فهذا الأخير، لم يعد يستفتح من بيع الثوم، لا على العربة ولا «من الأرض التي كنت أزرعها»، ويسأل: «كيف بمقدورنا منافسة الثوم الصيني الذي يباع منذ أربع سنوات بأسعار أقل من الثوم المحلي؟ وكيف سنزرع إن كانت كلفة إنتاج الثوم تفوق المليوني ليرة لبنانيّة للدونم الواحد الذي ينتج 800 كلغ من الثوم اليابس، وجملته في المستودعات لا تزيد على 2500 ليرة للكيلوغرام الواحد، فيما ثمنه بالمفرّق يراوح بين 3500 و4000 آلاف ليرة في أحسن الأحوال». تجارة غير مربحة إذاً، ولا حل إلا بدعم المحلي وتشديد الضريبة على المستورد. لكن، حتى الآن لا شيء إلا الذكرى. هكذا يتذكر الخطيب أيام «ما قبل المستورد حينما كنا نسترزق قليلاً». ويسترجع كيفية زراعة هذه «الفصيلة من الدرنيات»، فيقول: «هناك طريقتان لزراعته: الأولى بدائيّة تجري من خلال فرط فصوصه وغرسها في التربة، وهي الطريقة الأمثل لنموّها جيداً. أما الثانيّة فهي باستخدام الآلات الزراعية الحديثة». وفي كلتا الحالتين، «يجب طمر الدرنيات في التربة جيداً لمنع تسرب الهواء إليها». ويضيف الخطيب أن من المفضّل «تغيير نوعيّة البذار في كل موسم، وذلك للحفاظ على جودة المحصول، إضافة إلى زرعه في تربة غنية بالمواد العضويّة».
وعن كميات البذار ومعدل إنتاجها السنوي يوضح الخطيب أن «كل دونم يحتاج إلى ما بين 90 و110 كلغ من البذار، لينتج بمعدل 1800 و 2400 كلغ من الثوم الأخضر عند قلع نباتاته التي يتناقص وزنها ليصبح نحو 800 كلغ، وذلك بعد تجفيفها تحت أشعة الشمس مدة تزيد على شهر». أما الموسم، فيبدأ أوائل تشرين الثاني، وهو الوقت المناسب لرش البذار، ويمتد حتى أواخر شهر أيار من العام التالي، موعد جمع المحصول.
ثمة معلومات إضافية؛ إذ يلفت الخطيب إلى «ضرورة ريّ نباتات الثوم بالمياه الحلوة التي تساعد على تحليل التربة، وذلك خلال فترات انقطاع هطل الأمطار، نظراً إلى احتواء رواسب مياه الأخيرة على مواد حمضيّة تسبب انكماش التربة وتؤدي إلى تأخر بلوغ الفصوص وانتفاخ أحجامها بنحو طبيعي».