لا يمكن استصراح محافظ الجنوب بالوكالة نقولا أبو ضاهر بسرعة. ليس بداعي تردّده، بل لأنه يحرص على توخي الدقة وعدم تجاوز صلاحياته والانزلاق إلى نقاشات ضيّقة لا تخدم المصلحة العامة. لذا فهو يصرّ على إبراز محاور المقابلة معه ليس له فحسب، بل لوزارة الداخلية والبلديات لتكون على علم مسبق بما سيدلي به من معلومات ويكون الرضى جماعياً. قد يكون لدراسة اللاهوت التي افتتح بها حياته الدراسية، كبير الأثر في هدوئه ومسالمته، الى أن وصل أخيراً إلى الدراسات العليا في الحقوق. إلا أن مشروع الكاهن، لم يكن ليجلس على مقعد محافظ الجنوب، لولا تجميد التعيينات الإدارية في المراكز العليا منذ فترة. فالمنصب الذي شغر بعد إحالة المحافظ السابق مالك عبد الخالق على التقاعد، كان من حصة الطائفة الدرزية حتى وإن لم يكن جنوبياً، لكن أبو ضاهر ابن بلدة القريّة في شرق صيدا، اصطُفي لملء الشاغر على نحو مؤقت حتى بتّ التعيينات. وهو وإن كان محافظاً بالتكليف، فهو أمين السرّ العام للمحافظة بالأصالة منذ عام 2005، ولا يزال حتى بعد تكليفه منذ عام ونصف عام.ليست أمانة السر وحدها ما يمنح أبو ضاهر خبرة واسعة في الشأن البلدي، بل أيضاً رئاسته للدائرة الإدارية في المحافظة في عام 1996 ولمدة 9 سنوات. أكثر ما يتباهى به من منجزات تلك المرحلة، «دليل المواطن»، الذي أنجز في عهد المحافظ الأسبق فيصل الصايغ. ولأنه إنجاز مهم، في رأيه، وأسهم في حل الكثير من المشكلات وفي تنوير المواطنين، يعمل حالياً على إعادة إصداره مجدداً بصورة أوسع وأشمل. وما درج على تنظيمه منذ ذلك الحين من دورات تدريبية على مبادئ العمل البلدي لرؤساء البلديات ونوابهم، لا يزال مستمراً فيه بما أنه الرقيب على عمل المجالس البلدية الواقعة ضمن محافظة الجنوب في أقضية صور وصيدا وجزين.
«البلديات نعمة، ووجودها أفضل بكثير من عدمه بالنسبة إلى معاملات المواطنين» يجزم أبو ضاهر. مع ذلك هو ليس راضياً تماماً عن مستوى التنمية الذي تحققه البلديات. والسبب ضعف الإمكانات المادية المرصودة لها من الدولة، التي تجعلها غير قادرة على تنفيذ كل ما تريد، وخصوصاً أن لديها الصلاحية لإنشاء مدرسة ومستوصف ودار عجزة على سبيل المثال. وهنا، يسجّل استغرابه للتوزيع المالي الحالي لناحية المقارنة بين عائدات بلدية ما من الصندوق المستقل لعام كامل وتعويضات نهاية الخدمة لموظف فيها. في إشارة إلى أن التعويضات قد تتجاوز 70 مليون ليرة «ما قد يكسر مالية البلدية في ظل عائدات ما دون المطلوب». لا يكتفي المحافظ بالشكوى، بل يوعز الى رؤساء بلدياته بتعزيز ماليتها بنفسها عبر استيفاء القيمة التأجيرية (المسقفات) من المقيمين ضمن نطاقها. وإذا كان هؤلاء يبرّرون تقاعسهم عن الجباية بتمنع الناس عن الدفع، فإنه يطالبهم بتفعيل دور الجابي وتكثيف جولاته على الوحدات السكنية والتجارية.
يقرّ أبو ضاهر بممارسة بعض رؤساء البلديات سياسة التمييز بين المواطنين لناحية الخدمات. وقد وصلته العديد من الشكاوى من المواطنين وأحياناً من أعضاء وموظفين في البلدية. وهو إزاء ذلك يؤكد أنه لا يتوانى عن متابعة الشكاوى ضد التجاوزات. على سبيل المثال، يذكر شكوى خاصة بإحدى بلديات جزين عن هدر مالي وصل إلى 700 مليون ليرة بطله أمين الصندوق. الشكوى أوصلها إلى الوزارة وأخذت طريقها إلى القضاء حيث جرى توقيف الموظف المتهم. إلا أن البعض يطلب إليه التشدّد أكثر في الرقابة ومحاسبة رؤساء البلديات بحسب ما يسمح له القانون. من هنا، يؤكد أنه يسارع الى محاسبة رئيس البلدية الذي يمتنع عن تنفيذ قرار إداري صدر بحقه بسبب إساءته استخدام السلطة الممنوحة له.
مع ذلك، لا تظهر هذه الدقة بنظر البعض في معالجة ملف البلديات ذات المجالس المنحلة. ففي عهدة المحافظ أربع بلديات هي البيسارية وكفر شلال (قضاء صيدا) وعلما الشعب (قضاء صور) التي يسيّر أعمالها قائمقام صور سعد الله غابي وكفر جرة (قضاء جزين)، التي يسيّر أعمالها قائمقام جزين أنطوان عازار، وفيما لا يخصص الصندوق البلدي عائدات لكفر شلال لأنه لم تجر فيها انتخابات بلدية بسبب تأخر صدور قرار الموافقة على استحداث بلدية فيها، تبقى البيسارية نموذجاً. يشير الى أنه يعتمد على الموظفين في كل شيء. هناك على سبيل المثال، يمثل الكاتب عين المحافظ وأذنه ويده في صرف العائدات وتنفيذ المشاريع ورخص البناء. لكن ما الذي يضمن الثقة بتأدية الواجب من دون تمييز بين الأهالي في الخدمات والهدر؟ ينتبه إلى أنه لم يزر تلك البلدة منذ توليه بلديتها ولا اطّلع بنفسه على ما يحكى له عن مشاريع تنفذ فيها. وهنا يتذكر شكوى وردت من أحد المواطنين ضد الكاتب على خلفية منحه رخصة بناء لأحد الأشخاص يتعدى فيها على أرض جار له. أرسل المحافظ بطلبه للاستفسار، فأجابه بأنه لم يجد في الأمر تعدّياً. لذلك، خشية من مزاجية ما أو استغلال للصلاحيات الممنوحة للموظفين باسم المحافظ، تعهد لـ«الأخبار» أنه سيخصص من الآن فصاعداً جولات خاصة بالبيسارية للاطلاع مباشرة على شؤونها ومطالب الناس كما يفعل رؤساء البلديات.
يوافق المحافظ على أن تأجيل انتخابات اتحاد صيدا ـــــ الزهراني حتى أجل غير مسمى، يمثّل نموذجاً لتدخل السياسة في العمل البلدي. المصير المجهول منحه منصباً جديداً هو رئيس الاتحاد مؤقتاً، بعدما توافق أعضاؤه على تأجيل الانتخابات الى حين حصول تسوية سياسية.
في عهده، واجه أبو ضاهر تحديات مهمة أبرزها أزمة التعدي على الأملاك العامة والمكبات العشوائية وتشغيل معامل المعالجة في صيدا وصور وتنظيم فوضى اللوحات الإعلانية. بالنسبة إلى التعديات، يسارع إلى اعتبار أن المسؤولية المشتركة بين أطراف عدة، أدّت الى ما حصل. في المستجدات الأخيرة، لا يجد أن التعميم الأخير الصادر عن وزير الداخلية بمنع رخص البلديات على الأملاك الخاصة يمكن أن يؤدي الى انتفاضة مماثلة، بل «يسهم في ضبط الفوضى وتنفيذ النظام من خلال تحويل كافة الرخص الى مديرية التنظيم المدني للموافقة»، مجدداً يتعهد أنه سيحاسب من يخرق التعميم الأخير من رؤساء البلديات بعد انتهاء مهلة السماح بالبناء عملاً برخصة البلدية. في الوقت ذاته، يقترح إدراج قضية التعديات على طاولة مجلس الوزراء ليُصدر قراراً شاملاً بمعالجة ما حصل. الأمر ذاته، ينطبق على ضرورة إيجاد خطة معالجة وطنية للنفايات.
يلقي أبو ضاهر بمهمة تنظيم اللوحات الإعلانية على اللجنة التي ألّفها وزير الداخلية أخيراً. ويقدم نموذجاً لبلديات عدة تراوح بين الامتثال لحملة التنظيم والاستهتار بها. إلا أن اللافت هو الميزة التي يكتسبها قطاع الإعلانات في الجنوب، المتمثل في صور الشهداء التي تُرفع على كل عمود إنارة، وصور الزعماء السياسيين والقادة. يقرّ المحافظ بأنه واللجنة اصطدما ببعض القوى والبلديات لدى محاولتهما إزالتها.



مجلس الوزارات

تجدر الإشارة إلى أن المحافظ يمثّل فعلياً «رئيس مجلس الوزارات» التي لديها مكاتب مناطقية في مقر المحافظة في سرايا صيدا. الأمر الذي يرتّب على أبو ضاهر متابعة حماية الأحراج مع مكتب حماية الثروة الحرجية في مصلحة الزراعة، ولا سيما في هذه الفترة مع استعار أعمال تقطيع الحطب استعداداً للشتاء، كما أن مصلحة الاقتصاد وحماية المستهلك تدفعه أيضاً إلى المساهمة في تأمين السلامة الغذائية للمواطنين، عبر إرسال فرق للكشف على المطاعم والمسالخ والملاحم. هو يدرك حجم المهمّات الموكلة إليه، لكنه لا يبدي تفاؤلاً كثيراً في إمكان تنفيذها.