البقاع | «صباح الخير». تحية صباحية عفوية وتلقائية، تبعث على التفاؤل والخير بيوم جديد. هكذا هو التعريف البسيط للعبارة. لكن، لدى عدد من المزارعين في غربي بعلبك باتت صباح الخير أقرب عبارة مرعبة تكاد تخطف ألوان وجوههم، فما إن تأتي على ذكر هذه التحية أمامهم، حتى تتبادر إلى أذهانهم صورة تلك النبتة الضارة التي فتكت ولا تزال بمزروعاتهم. «تحية» كبّدتهم إلى الآن خسائر كبيرة، أدت بالبعض منهم إلى الإمتناع عن زراعة أراضيهم التي انتشرت فيها النبتة، من دون أن يتمكنوا من القضاء عليها. أما لماذا أطلقوا عليها اسم صباح الخير؟ فلأنها تخبو ليلاً وتعاود النمو بسرعة مع صباح اليوم التالي، كما تفعل الأمر نفسه عندما تنزعها أو تقصها، إذ تعاود النمو في الصباحات اللاحقة. من مساوئها أن انتشارها كثيف جداً، ففي أراضي بلدة التليلة البقاعية تكاد تكون بين العشبة والعشبة عشبة، فتراها بين «أجباب» البندورة والخيار والقثاء (المقتة). هذه الكثافة منعت الكثير من المزارعين عن أراضيهم. هكذا، يمرّ هذا العام من دون زراعة في بعض الأراضي، كما في أرض علي شداد وشقيقه، اللذين وجدا أن ترك الأرض «بوراً أربح من خسارة الموسم»، يقول علي. ويتابع «هذه العشبة بتموّت الشتول على أنواعها، إذ تخترق بأوراقها القاسية التي تشبه البلاستيك أوراق المزروعات الطرية من جهة إلى أخرى».
وقد استنفد المزارعون السبل لمعالجة هذا الداء الذي يفتك بمواسمهم، إلا أنه لا أدوية ولا مبيدات تمكنت من القضاء على «صباح الخير». وهنا، يشير شداد إلى أنه «لم نوفر دواءً زراعياً ولا حتى مبيداً، استخدمنا كل شيء من دون نتيجة، حتى ما خلينا مهندس زراعي إلا واستشرناه من دون جدوى». ويقول ساخراً: «كلما استعملنا دواء تقوى وتنمو أكثر». ولم يبق أمام شداد وغيره من المزارعين إلا اقتلاعها بأيديهم «وهو أمر صعب بطبيعة الحال كونها قاسية، حتى بالحراثة لم نستطع».
إلى الآن، لا شيء «نفع معها». لا الدواء ولا المبيد، ومصلحة الأبحاث الزراعية «كعيت أيضاً»، يقول شداد. ويذكر أنه عندما دخل مكتب المصلحة حاملاً بيده عينة من النبتة، عاجله أحد المهندسين الزراعيين قائلاً له «شو صباح الخير، إيه تصبح على خير ما إلها دواء... ما تتعذّب».
وإن لم تكن «صباح الخير» هي النبتة الوحيدة الضارة، إذ ثمة نبتتين أخريين يصعب القضاء عليهما وهما «الجعفير» و«الخانوق»، إلا أن ما «يميّز» هذه النبتة عن سواها «أنها تملك المقدرة على نشر العدوى بسهولة»، يقول المزارع أحمد حمية. ويضيف: «راقب عندما تنتزع هذه النبتة من إحدى المساحات وترميها في عقارٍ آخر ستجد أنها نبتت في تلك الأرض في اليوم التالي». ويشير حمية إلى أن «بعض المزارعين حاولوا الزراعة بطريقة غطاء النايلون الأسود، لاعتقادهم بأن حرارة النايلون يمكن أن تقضي عليها، لكنهم فوجئوا بتمزيقها النايلون وخروجها عبره، إضافة إلى تكاثرها بطريقة غريبة».
أمام هذا الواقع، لم ينف الدكتور ميشال إفرام، رئيس مصلحة الأبحاث العلمية والزراعية صحة المعلومات التي يتداولها المزارعون في غربي بعلبك، مشيراً إلى أنها «من النباتات البصلية الضارة جداً بالزراعات المجاورة لها، والتي كانت تعرف باسم الجُرّيحة (نسبة إلى جرحها المنتوجات الزراعية)» أما اسمها العلمي، بحسب إفرام، فهو «Cyterus rotundus»، وتعود تسمية «صباح الخير» إلى نموها السريع «وإغلاق أوراقها ليلاً وفتحها صباحاً، وفيما لو جرى اقتلاعها وخيوطها القاسية، تعاود النمو خلال ليلتين على الأكثر». وفي الوقت الذي رفض فيه إفرام وضع نبتة «صباح الخير» ضمن خانة النباتات الشبيهة بـ«الخانوق» و«الجعفير»، اللذين لا وجود فعلياً لدواء لهما، أكد أن نبتة «صباح الخير» يمكن التخلص منها في حالةٍ واحدة «عبر اقتلاعها بطريقة حراثة التربة جيداً وتنظيفها بشكل جيد، وتحديداً من فنودها وأوراقها وآثار بصيلاتها، وعدم رميها في عقارات أخرى، أو الحراثة بالجرار الزراعي الذي لا زال يحمل بين شفرات الحراثة بقايا من النبتة، وذلك حتى لا تنتقل النبتة إلى عقارات أخرى» وأضاف «ينبغي بعد ذلك كله العمل على زراعة الأرض بزراعات مختلفة عما كانت تزرع به سابقاً، ولفترة زمنية تتجاوز الثلاث سنوات»، مع التأكيد على أن الزراعات المناسبة للقضاء على النبتة الضارة «القمح والشعير، أي تلك التي تتميز بارتفاعها، والتي يمكنها حجب ضوء الشمس عن البصيلات المتبقية في التربة، فتمنعها من النمو مجدداً».