وصل البلاغ إلى مركز الدفاع المدني القريب: النار تبتلع حرجاً. وإن صحّ التعبير «عم تحلق ع الناشف». في تلك اللحظة، لم يكن في المركز، شبه المقفر، إلا رئيس وبضعة متطوعين. وما عدا ذلك، لا أحد ولا شيء أيضاً يسعف في إطفاء حريق، فآلية الإطفاء اليتيمة كانت «في الخدمة»
في منطقة مجاورة تطفئ لهيباً آخر. وكل ما هو متوافر هناك سيارة جيب لا منفعة منها في حريق أحراج، لكن كان لا بد من المشاركة، ولو شكلياً. استعدّ الشباب على عجل ـــــ وفي جعبتهم «رحمة الله»... وأجسادهم ـــــ قاصدين مكان الحريق لمساعدة الأهالي على إطفائه. وليتخيّل الكثيرون ماذا يمكن أن تكون وسيلة إطفاء الأهالي؟ لم تكن أكثر من دلاء مياه. وإن انتظروا عودة الآلية من خدمتها، فسيكون كل شيء قد «رمّد».
لم يكن ما حدث في عملية الإطفاء هذه استثنائياً، فكثيراً ما «رمّدت» أحراج بسبب ضعف إمكانات الدفاع المدني، وكثيراً ما استُعملت دلاء المياه. وقد تكون الاستعانة بهذه الوسيلة أمراً «مبلوعاً» في حريق أرضي. لكن، السؤال الذي يمكن أن يطرح هنا: ماذا ستفعل دلاء المياه لو وقع الحريق نفسه في مبنى عال؟ في فترة سابقة، أجاب المدير العام للدفاع المدني السابق العميد درويش حبيقة عن هذا السؤال، قائلاً ببساطة مفرطة «ما عنّا أبنية كتير عالية».
10 سنوات وربما أكثر، خرج المدير العام السابق من المهمة يائساً، واليوم يبدأ المدير العام الجديد العميد ريمون خطار المهمة نفسها «بالأمل». لا يملك الرجل خياراً آخر. فهنا، كل شيء يقاس بالقدرة على التحمّل. ولا مجال للفائض في الطموح في قطاع يقوم بمجمله على «التسكيج».
في المساحة المفردة للطموح، وضع خطار خطة إنقاذ رباعية. في الأحوال الطبيعية، لا تكون هذه الخطة طموحاً، لكونها تمثّل الأساس في كل مؤسسة، إلا في الدفاع المدني. ورغم أنه قانوناً جهاز تابع للدولة، إلا أنه عند الحديث عن أوضاعه، لا مجال إلا لسؤال واحد «وينيّي الدولة». لهذا السبب، وضع خطار هذه النقاط ليبني عليها المستقبل، وهي نقاط لم تتغير مذ وجد الجهاز، وإن تغيرت الشخصيات المطالبة بها. فالنقطة الأولى، كانت ولا تزال، العمل على إيجاد مبنى مركزي للدفاع المدني، أسوة بكل بلدان العالم. وبانتظار استحداث مركز القيادة هذا، سيبقى «الجهاز» ضيفاً «في ثكنة الجيش اللبناني».
أما النقطة الثانية، فهي تلك التي تتعلق بـ «العمود الفقري في المؤسسة»، أي العناصر، التي ستكون هي صلب القانون الجديد لتنظيم الجهاز، الذي يعمل عليه العميد ولجنة الإدارة والعدل النيابية، حيث سيعمل على ضبط آليات التطوع وإصدار البطاقات وإيجاد حوافز لمن يرمون أنفسهم للموت مقابل «اللاشيء» وو... يرجح خطّار أن يكون القانون الجديد «عصرياً»، لكونه يستند إلى عدة قوانين، منها المرسوم 4088 ومقترحات اللجنة النيابية، إضافة إلى قوانين بعض الدول الأجنبية. وقد طلب الرجل في هذا الإطار المساعدة من رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر على إعداد مسودة، فكان الردّ «فرز قاضيين للقيام بهذه المهمة». وعلى هذه النقطة، تبنى النقطتان الأخيرتان المتعلقتان بعتاد الجهاز والدورات التدريبية. وفي موازاة ذلك، من المفترض أن يبدأ خطار العمل على أجندة أشدّ صعوبة، وهي «تنظيم برامج توعية للناس على اعتماد أساليب السلامة، واستحداث تشريعات تلزم المؤسسات باعتماد معايير السلامة العامة، لكن، من أين سيأتي كل هذا الترف؟
يعرف العميد أن أحوال الجهاز «تعبانة»، لكنه «ليس ميؤوساً منه». فلنبدأ بالواقع خطوة خطوة. من عام 2000 تحديداً، عندما طلب وزير الداخلية آنذاك من مجلس الخدمة المدنية العمل على تصنيف العناصر. يومها، وبحسب معايير التصنيف، تبين للمجلس أن المديرية تحتاج إلى 1900 عنصر، كان موجوداً منهم 1200 عنصر ما بين متعاقد وأجير وملاك، مع توصية بأن يكون في كل مركز 14 عنصراً. ويومها أيضاً، كان عدد مراكز الجهاز لا يتجاوز المئة بكثير.
اليوم، بعد 11 عاماً، يخمّن الرجل العدد الباقي، حسب ما تواتر إليه، لكونه لم يغُص في «الزواريب» بعد، فيقول حوالى «400 ما بين متعاقد وأجير، و40 في الملاك» ومتطوعين لا يعرف عددهم إلا الله. وكل عام سيجرّ معه بضعة موظفين، لكون معظمهم في أعمار متقدمة، ولكون التثبيت «واقف» منذ عام 2000.
هم يتناقصون والمراكز تزداد، فحتى العام الماضي «وصل عدد المراكز إلى 210». وهو ما يلغي صلاحية التصنيف، فزيادة المئة على المراكز قد تحتاج إلى زيادة 1900 آخرين على التصنيف السابق، و1200 أيضاً لسدّ النقص في العدد الحالي. وإن كانت النية اليوم معدومة لإيجاد «مراكز جديدة لتنظيم الموجود»، إلا أننا إذا أردنا تقسيم الموجودين على المراكز، فقد لا يحصل كل مركز على أكثر من موظف أو اثنين في أحسن الأحوال، أي، رئيس و«بوست» آخر. ولهذا «نضطر أحياناً إلى تسليم الشخص 3 أو 4 مهمات». وفي حال نشوب حريق؟ لا يعود المجال مفتوحاً إلا «للاستعانة بالمتطوعين». وهو احتمال، على سوئه، يبقى أفضل الموجود. هكذا، يتسلم المتطوع مهمات من هم في الملاك والأجراء والمتعاقدين، وإن حصل موت، فلا مسؤولية، لكن، ماذا عن أعدادهم؟ لا يملك خطار إحصاءً دقيقاً عنهم، باستثناء ما تواتر إلى مسامعه من الفترات السابقة «حيث يتأرجح العدد ما بين 4000 و5000»، لكن الدقيق أنهم «ليسوا جميعاً في الخدمة، فالبعض يتطوع لأخذ بطاقة يضمّها إلى الـcollection أو التشبيح». وهذا يضعنا أمام أزمتين: أزمة التطوع العشوائي، وأزمة إصدار بطاقات التطوع، ومنها بطاقات السوق، حيث كشفت الحوادث المتكررة مع آليات الدفاع المدني أن لا أحد يملك دفتر سوق آلية «توت مارك». والسبب أنه «يكلف بالميتة مليون»، لكن، مع هذا «لا يجوز لوم المدراء السابقين، فلا هم قادرون على دفع المليارات على دفاتر السوق، ولا الدولة تغطيهم». والحل؟ يقول خطار: «بالعمل على وضع آلية محددة للتطوع نتأكد من خلالها أن طالب التطوع لبناني وموجود ويداوم في مركزه أيضاً». أما الحل للبطاقات العشوائية «فيكون بإنزال النموذج الجديد للبطاقات، وتبنّي اقتراح إيلي أبي طايع، المدير العام السابق بالوكالة لبطاقات السوق، حيث يجري تدريب المؤهلين في قوى الأمن الداخلي وإعطاؤهم دفاتر سوق عسكرية، تكون مقبولة من شركات التأمين»، لكن، من أين تأتي المديرية بالمال، وهي التي حسمت موازنتها لتصل أخيراً إلى «حوالى 10 ملايين دولار أميركي»، بعدما كانت تفوق 20 مليوناً؟ يجد خطار صعوبة في الرد عن سؤال كهذا، لكن ما يستطيع قوله أن «للجهاز موازنة منيحة، في موازنات مجمعة من سنة إلى أخرى، لكنها منذ سنوات لم تصرف». ومنذ سنوات أيضاً، «نحن بلا جهاز» ولا من يجهزون.



آليات الدفاع المدني: مركز إيه مركز لأ

المناقصات السنوية التي كانت تجريها المديرية العامة للدفاع المدني لتأمين حاجياتها لم تكن توصل إلى نتائج إيجابية. وإن كان لا بد من التطرق إلى العرف العالمي «فكل سنة، يقتطع 10% من موارد الدفاع المدني لتجديد الآليات، لكي تستطيع مواصلة المهمة». أما ما يحصل بالعرف اللبناني، فهو أن الآليات لم تتغير منذ 10 سنوات وربما أكثر. والدليل أن «الآليات جديدها عمره 10 أعوام، والباقي تسكيج وصيانة، وما يأتينا إشيا صغيرة من المتمولين أو المتبرعين والهبات» بحسب المدير العام للدفاع المدني ريمون خطار. وبتفصيل أكثر، لا شيء «دسماً»، وإذا ما قلنا 210 مراكز فمن المفترض أن تكون في كل مركز، على سبيل المثال، سيارتا إسعاف وسيارتا إطفاء وجرافة «مراعاة لحاجات المنطقة». أما اليوم في المراكز، فبحسب إحصاء العهد السابق، استبدلت المئة والمئتان بـ«بضع»، مثلاً بضع سيارات إسعاف ووو... وبتفصيل أكثر، 210 مراكز لا تملك إلا سلمين هيدروليكيين، و70 مقصاً لقص السيارات في حال حوادث السير، يعني «مركز إيه ومركز لأ».