عكار | قلّة من النسوة تذوقت الصنوبر الجوي الذي نقله رضوان عبد الله من بلدته تكريت العكارية إلى معرض «أسبوع عكار في بيروت». ورغم الاستخفاف الذي أبدينه بادئ الأمر، لم يلبثن أن عدن وطلبن المزيد، فهن «لم يذقن بحياتهن مثل طعم الصنوبر الجوي العكاري»، يردّد عبد الله ما سمعه من النسوة، مفتخراً.هكذا، عاد رضوان عبد الله من بيروت بعد انتهاء المعرض، وفي جعبته حماسة لم يشهدها من قبل. يحدوه من ناحية الأمل بزيادة أرباحه في كسارته المتواضعة للصنوبر، والوحيدة في بلدته، ومن ناحية أخرى، وعي البلديات لأهمية هذه الشجرة، والعمل على زراعتها في المشاعات العكارية الشاسعة وفي أملاكها، تعويضاً عما ابتلعته نيران الحرائق. فشجرة الصنوبر الجوي حرجية، كما هي حال الصنوبر البري، مع فارق أنها توفر على المدى البعيد «وبحد أدنى من العناية دخلاً ملحوظاً»، يقول عبد الله.
الوصول إلى منزل عبد الله في تكريت سهل جداً، إذ يكفي السؤال عن «بيت صاحب كسارة الصنوبر»، فعبارة الكسارة تسهّل المهمة في البلدة العشوائية بعمرانها، والمتشابهة في بعض الأحيان. لا تطول الرحلة، فسرعان ما ينتهي الأمر بنا عند منزل قديم لرجل ستيني، ليتبين أنه رضوان عبد الله. هذا الرجل الذي لم تمنعه سنوات عمره الستون من الابتسام والمرح. ابتسامته لم تعد تفارق ثغره، منذ خمس سنوات، منذ اقتنى كسارة للصنوبر. قبل ذلك، كان الرجل «مغبوناً»، ففي كل عام يخسر موسمه بسبب السماسرة «الذين كانوا يعدوننا بنصف الإنتاج بعد تكسيره في إحدى الكسارات في جبل لبنان». ويتذكر حادثة «آخر سمسار»، الذي «أعطاني في إحدى السنوات 3 كلغ من حبوب الصنوبر، على أساس أنها نصف الإنتاج»، وهو ما تبين له لاحقاً أنه أقل بكثير من الكمية المنتجة.
هكذا، دفع استغلال السماسرة عبد الله إلى شراء كسارة صنوبر بدائية، لم يلبث بعدها أن اهتدى إلى مصنع لكسارات الصنوبر في دير الحرف في رأس المتن، فابتاع ثلاث ماكينات: واحدة لفرط أكواز الصنوبر، وأخرى للتكسير، وثالثة لفصل الحبوب عن الفضلات.
ولكي يظهر أمانته في العمل وقطع دابر الشك لدى أصحاب المواسم، يشرح عبد الله مراحل العمل في كسارته. ويقول «أول خطوة نقوم بها بعد تسلمنا الموسم هي فرط الأكواز أمام الزبون، إن كان يرغب في مراقبة العمل حتى نهايته». وبعد فرط الأكواز، «نقيس وزن الحبوب، ثم نضعها في وعاء للتصويل كي تطفو الحبات الفارغة على سطح الوعاء، وبعد ذلك نضع الحبوب الجيدة في أكياس مثقوبة حتى تجف». وبعد التأكد من جفافها «تأتي عملية التكسير، التي تحصل عبر دورات متعاقبة يجري خلالها تكسير الحبوب الكبيرة ثم الأصغر، وذلك عبر جريانها في أسطون طويل مثقوب مثل الغربال».
تنتهي عملية التكسير ولا ينتهي العمل، فبعد ذلك «يبدأ فصل الفضلات عن الحبوب البيضاء، وتقتضي أمانة العمل أن يكون وزن الحبوب البيضاء مضافاً إليها الفضلات والحبوب الفارغة مساوياً للوزن الإجمالي الذي قيس بعد فرط الأكواز»، يتابع. وبالخبرة المتراكمة، يقول عبد الله إن «35 كلغ من الأكواز تنتج حوالى كلغ واحد من الحبوب البيضاء، وأيضاً 5 كلغ من الحبوب السوداء تنتج كلغ واحداً من الحبوب البيضاء». هذه العملية قد لا تحدث كلها في الكسارة، «فبإمكان الزبون أن يفرط الأكواز في منزله، وبذلك تنخفض الكلفة إلى 1500 ليرة لبنانية». أما إذا لم يفرطها في المنزل «فتكبر الكلفة لتصل إلى حدود 12 ألف ليرة لبنانية إذا قام صاحب الكسارة بفرط الأكواز».
يملك عبد الله 35 شجرة صنوبر. يحفظ شجراته كما يحفظ شجرات الجيران وجيران البلدات المجاورة، فيقول «عدد الأشجار في ضهر نصار يبلغ 1200، وفي حرج بلدتنا حوالى 150 شجرة، و80 شجرة في بربينا، ومثلها في عكار العتيقة».
وبعيداً عن الأشجار الموجودة في عكار، تشير دعد شاهين، مسؤولة وحدة عندقت في جمعية الثروة الحرجية والتنمية إلى أن «الجمعية أعادت تحريج خمسة هكتارات بين منطقة عودين وعكار العتيقة، ضمن مشروع إعادة تحريج المناطق المحروقة في منطقة الدريب، معظمها من الصنوبر البري». وعن الجدوى الاقتصادية للصنوبر الجوي، لفتت شاهين إلى أن دراسة بعنوان «Production fruitiere du pin pignon au Liban» أظهرت أن مساحة ألف متر مربع تحوي عموماً 30 شجرة، وأن شجرة الصنوبر الجوي ذات الحجم المتوسط تنتج 40 كلغ من الأكواز في السنة، ما يؤدي إلى إنتاج 48 كلغ من الصنوبر الأبيض بسعر إجمالي قدره حوالي 1500 دولار. وعلى هذا الأساس، فإن هكتاراً واحداً من الأرض كفيل بتأمين 15 ألف دولار سنوياً.