تأخَّر إعلان هوية أعضاء مجلس القيادة المنتظر في قوى الأمن الداخلي. الدخان الأبيض يجب أن يتصاعد قريباً. الأجواء السياسية تؤكد أن مؤسسة قوى الأمن الداخلي تعيش مخاض مرحلة انتقالية و«معركة كسر عظم» للسيطرة على مراكز المؤسسة الأمنية الأشهر والأكثر إثارة للجدل في الجمهورية اللبنانية، خصوصاً في السنوات الأخيرة. ويتردد أن «المعارضين القدامى» للقيادة الحالية سيواجهون «الاستشراس الحريري» في «المعقل الأخير لتيار المستقبل»، وسيعملون على طيّ هذه الصفحة للبدء بمرحلة جديدة تستعيد فيها المؤسسة الأمنية الدور المنوط بها أساساً، وتخلع عنها الثوب السياسي الذي أُلبسته طوال الفترة الماضية والدور الذي أدّته كـ«أهم ذراع أمنية وعسكرية لقوى 14 آذار».
قبل أسابيع، بدأت الحكومة الجديدة إمرار التعيينات الإدارية والأمنية، لملء الفراغات في الوزارات والإدارات والأجهزة الأمنية. شُغل أركان السلطة السابقة، أو من باتوا يعرفون بالمعارضة، بما ستفضي إليه هذه التعيينات. هوّلوا بـ«كيدية» مفترضة ستعتمدها الأكثرية الجديدة على رغم نفي هذه الأخيرة لذلك، وعلى رغم عدم إقدامها حتى الآن على أي إجراء تشتمّ منه رائحة الكيدية. تركّزت الأنظار، بطبيعة الحال، على مؤسسة قوى الأمن الداخلي، وتحديداً مجلس قيادتها الذي أدى المدير العام اللواء أشرف ريفي دوره لشهور. بدأ تداول مشروع يحمله وزير الداخلية (والضابط السابق) مروان شربل. أصداء الوشوشات المسموعة في أروقة الوزارة والمديرية اختلف تأثيرها بين الموالين والمعارضين، لكنها أظهرت أن مشروع الوزير لم تنضج ظروفه بعد. فرمز المرحلة السابقة، اللواء ريفي، باقٍ بتوافق سياسي، ووزير الداخلية نفسه لم يوفّر فرصة لتأكيد ذلك والإطراء على مؤهلات «صديقه». وبقاء ريفي «يعني، حكماً، بقاء العقيد وسام الحسن» رئيساً لفرع المعلومات، بحسب تأكيدات أوساط أصحاب القرار في المؤسسة الأمنية. أما التعيينات في مجلس القيادة فتحتمل خيارين لا ثالث لهما: إما أن يصار إلى ملء الشواغر أو يعيّن مجلس قيادة جديد.
هنا، تُطرح الشكوك في إمكان التغيير وآفاقه في حال بقاء ريفي في منصبه، ولا سيما أن قانون تنظيم قوى الأمن الداخلي يُنيط به اقتراح أسماء الضباط لعضوية مجلس القيادة. هذه الشكوك تدعمها معلومات توافرت عن الصورة المقبلة لمجلس القيادة، رغم السيناريوات التي رُسمت والأسماء التي طرحت في الآونة الأخيرة. فقد علمت «الأخبار» أن رؤساء الوحدات الذين عُيّنوا بالوكالة سيُثبّتون في مراكزهم، أما أولئك الأصيلون فسيبقون في مراكزهم حتى تاريخ إحالتهم على التقاعد.
يعني ذلك، بحسب متابعين، أن مشروع الوزير شربل قد سقط. والمشروع كان يقوم على اختيار الضباط القادة من أولئك الباقي لهم 6 سنوات في الخدمة على الأقل، أي الضباط الحاملين لرتبة عقيد أو الذين حازوا رتبة عميد حديثاً.
وظهر ذلك في خطوة تعيين العقيد ناجي المصري قائداً للشرطة القضائية بالوكالة بانتظار تثبيته بالأصالة، علماً بأنه رُقّي إلى رتبة عميد في بداية السنة الجارية. وقد لقي هذا الطرح استياءً لدى أكثر من قائد وحدة تساءلوا كيف يُعقل أن تضع المديرية نحو 53 ضابطاً برتبة عميد في التصرّف، فيما رأى مؤيّدو الطرح أن القرار، في حال اعتماده، سيتزامن مع إقرار قانون الحوافز لفتح باب الاستقالة أمام العمداء في مقابل الحصول على مخصصات لواء.
الأخذ والرد اللذان أثارهما مشروع شربل حسمته معلومات أكدت أنه لن يُبصر النور، إذ إن كلاً من الأفرقاء السياسيين سيتمسك بالضابط المحسوب عليه. فالرئيس نبيه بري سيتمسّك برئيس الإدارة المركزية العميد محمد قاسم للبقاء في وحدته إذا بقي ريفي مديراً عاماً، علماً بأن أمام قاسم ثلاث سنوات قبل التقاعد في 26/6/ 2013. كذلك سيبقى قائد القوى السيارة العميد روبير جبور في منصبه حتى تاريخ 10/11/2012، وأيضاً رئيس الأركان العميد جوزف الحجل حتى تقاعده في 26/11/2012.
هذا في ما يتعلق بالأصيلين، أما بالنسبة إلى الوكلاء، فقد تردد أن قائد الدرك العميد صلاح جبران (أمامه نحو ثمانية أشهر قبل التقاعد) أجرى تحركاً استباقياً، أخيراً، لدى رئيس الجمهورية ميشال سليمان والبطريرك الماروني بشارة الراعي. وقد أثمر التحرك، بحسب المعلومات المتوافرة، إيجاباً، إذ أعطي جبران ضمانات ببقائه في منصبه حتى تاريخ إحالته على التقاعد. وفي السياق نفسه، لفت متابعون إلى تراجع الوزير السابق سليمان فرنجية عن «طحشته» لتعيين العميد جوزف الدويهي قائداً للدرك، بعد تلقيه إشارات من البطريركية بشأن رغبتها في بقاء جبران حتى تقاعده، ليخلفه بعدها العميد الدويهي أو العميد الياس سعادة إذا تغيّرت الحسابات.
بقاء الوكيل في قيادة الدرك سيتكرر في وحدة جهاز أمن السفارات. فالعميد محمود إبراهيم سيثبّت في وحدته، رغم ما تردد عن نقله لتولّي منصب مدير في وزارة الداخلية، على أن يحل مكانه العميد محمود العنان. طرحٌ آخر أشيع لفترة، تضمن اقتراح تعيين العقيد عدنان الشيخ علي في وحدة جهاز أمن السفارات بعد تعيين إبراهيم في وزارة الداخلية، على أن يُنقل العميد العنان إلى القيادة في الشمال. لكن هذا الطرح لم يجد طريقه إلى التطبيق. وما يجرى في جهاز أمن السفارات وقيادة الدرك سيجري في قيادة شرطة بيروت، فالمعلومات تُشير إلى بقاء العميد أحمد حنينة في منصبه في الشهور القليلة الباقية له، رغم التصرفات الكيدية التي يقوم بها مع رتباء لديه، قبل أن يحال على التقاعد، فيما طُرح اسم العميد ديب طبيلي لخلافته.
أسماء الضباط القادة يفترض أن تخرج إلى الضوء خلال أيام. لكن المعلومات تتحدث عن «قطبة مخفية» تحول دون ذلك.
ويتساءل متابعون لملف قوى الأمن عن سبب التأخر في إعلان تعيين أعضاء مجلس القيادة، رغم ما يشاع عن الاتفاق عليهم، علماً بأن وزير الداخلية أكّد أكثر من مرّة، منذ توليه منصبه، أن التعيينات ستحصل خلال أسابيع. الأسابيع انقضت والانتظار سيد الموقف، فيما هوية مجلس القيادة تبقى التحدي الأبرز أمام الوزير ـــــ الضابط الذي يرى نفسه «البطل» الذي سيمنع التدخّل السياسي في العسكر. فهل ينجح الوزير في مغارة علي بابا؟



خيبة أمل

استبشر ضباط قوى الأمن الداخلي المحسوبون على قوى الثامن من آذار خيراً بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي. اعتقد هؤلاء أن أحوال المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ستتبدل بعد الوعود التي أُغدقت، صدّقوا أن «زمن الحريرية قد ولّى». قيل لهم ان أشرف ريفي ووسام الحسن (الصورة) لن يحكموا في المديرية بعد اليوم، وأن صفحة جديدة أُعلنت منذ الآن. وأن نموذج حكم جديداً سيُختبر ، وأنه بات في إمكان ضباط الثامن من آذار الدخول والخدمة في فرع المعلومات. منّى هؤلاء أنفسهم بمجلس قيادة جديد يعيد انتشال المؤسسة الأمنية من حال الانهيار التي وصلت إليها، فيبعث فيها الحياة مجدداً. تحضّروا للمرحلة الجديدة ليستفيقوا على حلم تيقنوا بأنه لن يتحقق. فالعقيد الحسن باقٍ في مركزه وكذلك اللواء ريفي. السياسة هي نفسها وكذلك المؤسسة التي خبروها لسنين. القديم باقٍ على قدمه. اقتنع هؤلاء بأنهم يجب أن يأخذوا جانب الحريرية، أو يتجنبوها من دون معاداة.