الخبر ليس مفاجئاً. سجناء يهربون من سجن رومية المركزي. المشهد يتكرر بسيناريو بات معتاداً. قضبان السجن الحديدية تُنشر بآلات حادة دخلت بقدرة قادر. «الأبطال» هم أنفسهم، سجناء إسلاميون غالباً ما يكونون من تنظيم «فتح الإسلام». ينشرون الحديد ويستخدمون الشراشف حبالاً للتسلّق. يخرجون إلى الحرية، ربما، من دون أن يلحظهم أحد. أما المقصّرون والمتواطئون فضباط ورتباء وعناصر تبقى دوافعهم مجهولة.استطاع ستة سجناء من مبنى الموقوفين «د» في السجن المركزي نشر الفاصل الحديدي المطلّ على الباحة الخارجية ظهر السبت، ونزلوا بواسطة شرشف واندسوا بين المواطنين الذين كانوا يزورون أبناءهم، وتمكنوا من الفرار. عملية الهروب لم يعلم بها أحد في البداية. كانت تجري بهدوء لا مثيل له، لولا تدخّل «واشٍ» من السجناء ليبلغ العسكر. خرج الأهالي لتبدأ عملية «الآووش» (إدخال السجناء إلى غرفهم) فتمكنت القوى الأمنية من توقيف أحد الفارّين قبل تواريه عن الأنظار ويدعى وليد لبابيدي (مواليد 1980، لبناني). ساعدت عملية «تبييت» السجناء في تحديد هوية الفارين لتبدأ علميات البحث عنهم. الجيش وقوى الأمن بمؤازرة الطوافات العسكرية شاركت في عمليات البحث من دون العثور على أثر للفارين، قبل أن يتمكن عناصر في مديرية استخبارات الجيش من توقيف أحد المطلوبين الهاربين وهو السوداني مدحت أحمد. وبذلك يبقى السجناء الإسلاميين الأربعة في الحرية.
فقد كشفت قناة «المنار» أن بلاغاً وصل إلى قياة الدرك قبل نحو أسبوعين يحذّر من الإعداد لعملية فرار من المبنى «د» في سجن رومية. وذكرت في تفاصيل الخبر، أنه عند الساعة الواحدة ليلاً نهاية الشهر الماضي، أدخل جهاز تبريد إلى الطبقة الأولى من المبنى «د» بإشراف من الضابط «س. هـ.»، لافتاً إلى أنه جرى إدخاله إلى الغرفة 141 بمعاونة ضابطين مسؤولين عن المباني حيث وُضع داخل الجهاز مبلغ 15 ألف دولار أميركي و6 هواتف خلوية، لكن «لم يُعر أحد من آمرية السجن هذا البلاغ الاهتمام الكافي». الخبر المذكور يؤكد فرضية التواطؤ ليشير إلى أن عملية الهروب مخطط لها، وبالتالي فإن المنطق يشير إلى أن هناك أشخاصاً كانوا ينتظرون السجناء الأربعة الهاربين للعمل على إخفائهم لا سيما أن بين هؤلاء أخطر المطلوبين المدعو «أبو طلحة الدوسري» وهو كويتي كان قد سجن في الكويت لسبع سنوات قبل أن يُطلق سراحه في شهر تشرين الأول من عام 2007. ثم أوقف في صيف 2008 في سوريا ليطلق سراحه فيما بعد. ويتردد اسم «أبو طلحة» كثيراً في عمليات الدعم المالي لمقاتلي القاعدة في دول الخليج.
وكانت شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي قد عممت أسماء السجناء الهاربين وصورهم: مدحت أحمد (مواليد 1963، سوداني) الموقوف الجنائي بجريمة القتل قبل أن يُعثر عليه. أما الفارون الأربعة فهم من السجناء الإسلاميين ويدعون: عبد الله الشكري (مواليد 1984، سوري) وعبد العزيز المصري (مواليد 1985، سوري) ومحمد عبد الدوسري (مواليد 1973،كويتي) وعبد الناصر سنجر (مواليد 1971، لبناني). وطلبت القوى الأمنية من المواطنين الاتصال برقم الطوارئ 112 أو بأقرب مركز عسكري فور مشاهدتهم لأيّ من السجناء الفارين المعممة صورهم، مطمئنة إلى أن اسم المواطن المتصل سيبقى طي الكتمان وفقاً للقانون. وقد علمت «الأخبار» من مسؤول أمني رفيع في قوى الأمن الداخلي أنه تم توقيف ضابطين و10 عناصر من قوى الامن الداخلي على خلفية فرار السجناء من سجن رومية، فيما يواصل القاضي سامي صادر تحقيقاته داخل السجن لمعرفة أسباب الحادث.
وفي سياق موازٍ بدأت ردود الفعل على عملية الفرار، وجاء أقساها من وزير الداخلية والبلديات مروان شربل الذي أشار إلى أن المسؤولية تتقاسمها قوى الأمن والمسؤولون عن السجن من جهة، والدولة اللبنانية من جهة ثانية لعدم معالجتها على مر السنوات الماضية ملف السجون. وذكر شربل أن قاضي التحقيق وقائد الدرك يشرفان شخصياً في سجن رومية على التحقيقات، لافتاً إلى أن المسؤولين عن السجن يتحملون المسؤولية إما بالاهمال وإما بالتواطؤ، لا سيما في ظل تكرار عملية الفرار، مشيراً إلى أن هذا الأمر سينكشف وفق التحقيقات التي ستجري. وأكد شربل أنه لن يتنازل عن حق المحاسبة حتى النهايةإذا ثبت موضوع التواطؤ، مشدداً على ضرورة إيجاد معالجة جذرية لموضوع السجون من خلال التشريعات المرتقبة. وقال المرشد العام للسجون الأب مروان غانم، «إن التقصير الحاصل في السجون هو من جانب الدولة وليس من جانب قوى الأمن». وأشار إلى أنه «رغم مرور أشهر على أحداث الشغب الماضية، لا تزال أشياء كثيرة ناقصة في المباني داخل حرم السجن، بما في ذلك غرفة الصيانة، وأدوات الجلخ والأدوات الحادة لا تزال داخل المباني وليست منفصلة». وأشار غانم إلى أنه «هرب من أراد الهروب»، لافتاً إلى أنه «لا أريد القول إن هناك تقصيراً في السجون، بل في أداء الدولة في سجن رومية، الدولة غائبة عن السجن، والقوى الأمنية متروكة لحالها هناك والكلّ يتفرج عليها». أما حول من يتحمل مسؤوليته؟ فذكر أنهم سيحمِّلونه للقوى الأمنية، متسائلاً أين كانوا عندما كانت القوى الأمنية في السجن تطالب بإقفال الأبواب وزيادة عديد عناصر قوى الأمن دون أن يسمع أحد؟».



الدوسري بين الكويت والعراق

يبرز لافتاً في عملية الهروب التي حصلت يوم السبت اسم السجين الفار محمد الدوسري الملقب بـ«أبو طلحة». فالسجين الكويتي يواجه أحكاماً بالإعدام في العراق على خلفية اتهامه بالضلوع بعمليات إرهابية في العراق. وكان قد جرى شدّ حبال بين الحكومة اللبنانية والكويت التي كانت ترفض تسليمه للحكومة العراقية محمّلة لبنان المسؤولية السياسية والقانونية عما قد يتعرض له الدوسري. كما كان عدد من النواب الكويتيين قد شددوا على وقف قرار تسليم المواطن الدوسري المسجون في لبنان، مطالبين بعودته إلى الكويت.