هل يحق لمرافق القاضي أن يكون قاضياً، أو أن يتصرف على أساس أن له صلاحيات وامتيازات يستمدّها من قربه من رئيسه، وتجعل له حظوة بين الناس؟الشواهد من المحاكم تنبئ بإمكان استغلال بعض المرافقين لحاجة أصحاب القضايا وذويهم للحصول على منافع مالية وغيرها، لقاء خدمات ليست من صلاحياتهم. وأحد تلك الشواهد، حكم صادر عن محكمة جزاء صور بيّنت وقائعه أن مرافقي القضاة قد يتجاوزون حدود عملهم. ويفيد الحكم بأن للمدعية سهى (الاسم مستعار) ابناً موقوفاً يحقق معه قاضي التحقيق في الجنوب في قضية سرقة أسلاك كهربائية. وفيما كانت في زيارة عائلية في صور، التقت بالمدّعى عليه حسام (الاسم مستعار) الذي لم تكن تعرفه. وما إن علم الأخير بقضية ولدها الموقوف، حتى أوهمها بقدرته على إخراجه من السجن خلال عشرة أيام. عبر علاقته بمرافقي أحد القضاة «الذي يمكنه الضغط على قاضي التحقيق».
انطلت الرواية على الأم التي دفعت لحسام تباعاً مبلغ ثلاثة ملايين وثلاثمئة وخمسين ألف ليرة لبنانية تحت عنوان «مصاريف الإفراج»: جزء للمرافق، وجزء آخر لدفع الكفالة للإفراج عن ابنها. وعزّز ثقة سهى بحسام، تمكّنه من الاستحصال، بواسطة أحد مرافقي القاضي، على إذن لها لمواجهة ابنها في مكان توقيفه.
لم يخرج ابن المدّعية من السجن. وبعد فوات الأوان الموعود، قصدت قاضي التحقيق مباشرة مستفسرة عن مصير ابنها، فعلمت بأن عليها دفع الكفالة الواجبة. عندها، اكتشفت أنها وقعت ضحية المدّعى عليه، فتقدمت بشكوى ضده أمام النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب التي أحالتها على مفرزة صيدا القضائية للتحقيق. وتمكّن رجال المفرزة من إحضار حسام الذي اعترف بأنه أخذ المبلغ المذكور من المدّعية، زاعماً أنه أعطاه لشخص آخر كان سيتوسط لإخلاء سبيل ابنها.
ورأى القاضي المنفرد الجزائي في صور بلال بدر أن واقعة استحصال المدّعى عليه على إذن للمدّعية لمواجهة ابنها بواسطة مرافق أحد القضاة أسهمت في إيهامها بقدرته على التأثير في أعمال السلطة القضائية وإخلاء سبيل ابنها، للاستيلاء على المبلغ، علماً بأن حسام نفسه لديه سوابق مماثلة يظهرها سجله العدلي الذي يضم سبعة أحكام صادرة عن القضاء العسكري بجرائم انتحال الصفة والاحتيال. وقضت المحكمة بإدانته بالجنحة المنصوص عليها في المادة /655/ من قانون العقوبات، وبحبسه مدة عشرة أشهر، وتغريمه مبلغ خمسمئة ألف ليرة لبنانية، وبإلزامه بأن يدفع للمدّعية المبلغ المستولى عليه.
وأبرز ما يشير إليه الحكم خطورة مرافق القاضي وتأثيره في أهل المتقاضين، ولا سيما الموقوفين منهم. ورغم أن الاستحصال على إذن مواجهة لا يعاقب عليه القانون، إلا أن قانونيين تساءلوا: ماذا لو لجأ المرافق إلى أكثر من الاستحصال على إذن مواجهة وادّعى أن المبلغ سيدفعه إلى القاضي نفسه؟ والفعل على صغر حجمه، يتخطّى دور المرافق الذي يحدده المرسوم رقم /2512/ والمنوط بمرافقة القاضي وحمايته. علماً بأن المرافق لدى بعض القضاة، وخصوصاً الجزائيين، قد يمثّل صلة الوصل بين القاضي ومن يودّ مراجعته، ما يفتح الباب أمام احتمال استغلال البعض لهذا الموقع.