يتوقع أن يحسم مجلس الوزراء، قريباً، اسم رئيس مجلس القضاء الأعلى ليتسلم الدفة بدلاً من الوكيل الرئيس سعيد ميرزا الذي تولى المنصب بالإنابة لشهور، بعد إحالة القاضي غالب غانم الى التقاعد مطلع السنة الجارية. المرشحون الى المنصب كثر، إذ إن العرف يعطي الفرصة لجميع القضاة الموارنة، من الدرجة الرابعة عشرة وما فوق، بأن يكونوا مرشّحين لتولي هذا المنصب. ورغم أن رئيس مجلس القضاء الأعلى يعيّن، بحسب القانون، بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير العدل بموجب قانون تنظيم القضاء العدلي الصادر بموجب مرسوم اشتراعي عام 1983، يظهر العرف، أيضاً، أن اقتراح الوزير يكون في الشكل فقط. إذ إن المقترِح الفعلي لاسم القاضي المرشّح هو الطبقة السياسية التي تتوافق على اسم معيّن.
يوافق «العدليون» على أن المنصب سياسي بامتياز، وبالتالي فإن الدعم السياسي هو الأساس. إلا أن أوساطاً قريبة من وزير العدل تتحدث عن «منهجية جديدة» في التعاطي. وتؤكد هذه الأوساط أن «الأهلية والكفاءة والأقدمية، رغم أنها باتت شعارات مبتذلة لكثرة تردادها من دون تطبيق، ستكون المعايير التي سيُختار على أساسها رئيس مجلس القضاء الأعلى. إذ يفترض بالرئيس العتيد أن يكون ذا قدرة إدارية وعلمية، وأن يتمتع بحضور لافت، وأن تميّزه نزاهة ونظافة كف، فضلاً عن شغله مناصب قضائية عليا وكونه على مسافة واحدة من الجميع.
هذا في الشكل. أما في المضمون، فلا اسم مؤكداً يبرز في الأفق حتى الآن، وبما أن خيار التعيين سياسي بامتياز، فمعنى ذلك أن التوافق لم ينضج بعد. إزاء ذلك، يتردد أن معركة شد حبال تدور بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب العماد ميشال عون إذ إن المنصب من حصة الموارنة. لذلك فإن الأوفر حظاً لدى فريق لتولي المنصب يكاد يكون منعدم الحظوظ لدى الجهة الأخرى لأكثر من اعتبار. وبعدما كان يتردد أن حظوظ مرشح سليمان هي الأعلى، يجري الحديث عن ارتفاع أسهم مرشح عون، على أساس أن وزير العدل شكيب قرطباوي من حصة «تكتل التغيير والإصلاح». وبالتالي، فإن المنطق يحتم أن يكون رئيس مجلس القضاء الأعلى قريباً من الوزير لحسن سير العمل. وسط التسليم بسطوة المعيار السياسي وتشديد مقرّبين من الوزير على معيار الكفاءة، تبقى التحليلات التي «ترفّع» قضاةً و«تُبعِدُ» آخرين سيدة الموقف. فمنذ أشهر يتناقل بعض أهل العدلية اسم القاضي أنطوان ضاهر بوصفه ابن مدينة جبيل ومقرّباً من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فضلاً عن أن موعد إحالته على التقاعد سيكون عام 2013، وبذلك يكون أمامه عامان لشغل منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى.
مصادر قضائية أخرى، في المقابل، تُرجّح التوافق على رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، حيث علاقته جيّدة مع مختلف الأطراف، فضلاً عن كفاءته، علماً بأنه أعلى القضاة المرشحين درجة. لكن أوساطاً أخرى تقلل من شأن هذا الاحتمال لأن في سجل القاضي صادر «نقطة سوداء» هي مشاركته في وضع النظام الأساسي للمحكمة الدولية. وقد تردد أن صادر طرق، أخيراً، أبواب عدد من المراجع السياسية لقوى 8 آذار لتبرئة ساحته.
ووسط أخذٍ ورد حول حظوظ القاضيين ضاهر وصادر، يُطرح اسم القاضي جان فهد، بوصفه أكثر المرشحين قابلية للتوافق السياسي على اسمه، رغم ما يُتناقل عن احتمال استبعاده لأن أمامه أكثر من عشر سنوات كي يتقاعد، ويُنظر إلى ذلك بأنه نقطة ضعفه الوحيدة، فيما يفرض المنطق أن يعزز طول فترة الإقامة وضع المرشح لا العكس، علماً أن فهد مدعوم من البطريركية المارونية، كما أنه الأقرب إلى قلب عون.
كذلك يجري تداول اسم ابن بشرّي ورئيس غرفة التمييز القاضي أنطوني عيسى الخوري الذي سيتقاعد عام 2015، علماً أنه كان مرشّح وزير العدل السابق ابراهيم نجار.
ومن بين الأسماء المطروحة، يبرز اسمان أنثويان، هما القاضيتان أليس شبطيني وآرليت جريصاتي. الأولى من بين الأسماء الأوفر حظاً لتبوؤ المنصب لقربها من الرئيس سليمان، فهي صديقة زوجته، كما أن زوجها من من مسقط رأس رئيس الجمهورية، وبالتالي فإنّ حسابات انتخابية نيابية جُبَيلية قد تلعب دورها. تضاف إلى ذلك «تمريرة» تضاعف حظوظها قامت بها شبطيني لصالح الرئيس نجيب ميقاتي بإخلائها سبيل عدد من الموقوفين الإسلاميين. أما الثانية، فيتردد أنها مقرّبة من ميشال عون، علماً أن زوجها جوزف جريصاتي كان مديراً عاماً في القصر الجمهوري عام 1989 وكان يتولى إذاعة مقررات الحكومة العسكرية التي رأسها عون آنذاك.
وبين الأسماء المتداولة بقوة، القاضي طنوس مشلب الذي أمامه نحو 8 سنوات قبل إحالته على التقاعد، وهو مشهودٌ له بالنزاهة والاستقامة والاستقلالية في الأوساط السياسية والقضائية. ويعتقد بأن مشلب قد يكون مرشّحاً توافقياً بين عون وسليمان، فضلاً عن أنه يتوافق والمعايير التي يبحث عنها وزير العدل. ويرفع من رصيده، علاقته الجيدة برئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون. وتجدر الإشارة إلى أن مشلب كان مرشّحاً لمنصب مدعي عام جبل لبنان، لكنه استُبعد لأسباب تتعلّق بعمله عندما كان قاضي تحقيق أول في جريمة زحلة التي قتل فيها شقيق النائب ايلي ماروني، وذلك عندما استدعى سمير جعجع للاستماع إلى إفادته بعدما تحدث الأخير في الإعلام عن تفاصيل الجريمة، وهو يرأس حالياً محكمة استئناف الجنح في بيروت.
يذُكر أن رئيس مجلس القضاء الأعلى بمجرّد تعيينه يكون حكماً رئيساً أول لمحكمة التمييز ورئيساً للهيئة العامة لمحكمة التمييز ورئيساً للمجلس العدلي. وبما أن المنصب شاغر منذ أشهر، انتقلت صلاحيات رئاسة مجلس القضاء الأعلى حصراً إلى المدّعي العام التمييزي، فيما بقي المجلس العدلي شاغراً، إذ يتولى تسيير الشؤون الإدارية في محاكم التمييز الرئيس الأكبر سنّاً، وهو حالياً القاضي حاتم ماضي. وفيما ترأس المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا رئاسة مجلس القضاء الأعلى فقط، أجّلت جلسات المجلس العدلي حتى ملء الشواغر، علماً أنه سبق أن شغل ميرزا منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى عام 2005 بعد إحالة رئيسه السابق طانيوس الخوري الى التقاعد، وبقي فيه من أوائل الصيف حتى تشرين الأول، تاريخ تعيين القاضي أنطوان خير خلفاً له.



بين عون وسليمان

رغم الحديث عن كباش محتدم بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون على اختيار المرشح لتولي رئاسة مجلس القضاء الأعلى، يرى متابعون أن الكلمة الفصل في اختيار الأوفر حظاً لتولي المنصب ستكون من نصيب ميشال عون. فعون، الذي بيده حقيبة وزارة العدل، ومعه وزير العدل شكيب قرطباوي يعلمان أن إطلاق اليد لإجراء الإصلاحات والتغييرات في الجسم القضائي لا يمكن أن يكون دون وجود رئيس مجلس القضاء الأعلى إلى جانب خيارهم. والتشكيلات القضائية التي توزع القضاة على المراكز وغيرها من الأمور القضائية لن تكون على مستوى التطلّعات إذا لم يضمن تكتل التغيير والإصلاح رئيس مجلس القضاء الأعلى في صفه.