تبدو فصول قضية المدعى عليه داوود (اسم مستعار) أمام محكمة الاستئناف الجزائية في لبنان الجنوبي (صيدا)، غريبة. تعود هذه القصة، وفقاً لوقائع ملف الدعوى، إلى الفترة التي حاول فيها داوود «الانتقام» من حبيبته السابقة نادين (اسم مستعار)، التي كان «على وشك الاقتران بها». فقد وزع منشورات خطية من شأنها المسّ بسمعتها، لكونها تتضمن عبارات تهكّم على جسدها، وذلك في رد فعل على انفصالها عنه وزواجها بأمجد (اسم مستعار). دفع الأمر حماها إلى تقديم شكوى ضد داوود أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان بجرم التشهير، فأحالتها بدورها إلى قاضي التحقيق في جبل لبنان، حيث قضى بالظن بالمدعى عليه بجرم التشهير والقدح والذم والتهديد والتعرض للأخلاق العامة، أي بمقتضى المواد 578 و532 و582 و584 و650 و531 من قانون العقوبات، علماً أن والد الزوج لا صفة له كمتضرر شخصي برفع هذه الشكوى، لكون المتضررة تتمتع بالأهلية القانونية التامة لبلوغها سن الرشد. أحيلت الأوراق إلى القاضي المنفرد الجزائي في الدامور. في هذه الأثناء، كان داوود، ونتيجة تلك الشكوى، قد أوقف وجاهياً لمدة شهرين تقريباً، بيد أنه وقبل خروجه من السجن، سارع زوج نادين الى تقديم شكوى مماثلة لدى النيابة العامة الاستئنافية في صيدا بوجه المدعى عليه عن الفعل المقترف عينه. وهكذا أوقف مجدداً ولمدة أربعة أشهر. فأُحيل، ثانية أمام القاضي المنفرد الجزائي في صيدا باسم تقي الدين، للملاحقة بذات المواد الجرمية السابقة... تقريباً، مضافة إليها المادة 385 (التي تعرّف جرم الذم). قرر القاضي تقي الدين إبطال التعقبات المسوقة بحقه، لسبق الملاحقة أمام محكمة الدامور، معللاً بأنه لا يلاحق الفعل الواحد إلا مرة واحدة سنداً إلى قانون العقوبات، موضحاً بأن تضمين القرار الظني الجديد الذي بموجبه أحيل داوود إلى هذه المحكمة، المادة 385 عقوبات والتي لم يلحظها القرار الظني السابق «لا يغير شيئاً في هذه النتيجة، إذ إن الوصف القانوني الجديد للفعل الواحد لا يصلح سبباً لملاحقة ثانية».
وهنا، لا بد من الاشارة إلى أن القرار الظني السابق قد ظن به بجرم الذم، وإن بمواد مختلفة (582 عقوبات). ولكن... «يا فرحة ما تمت». فبالكاد تنفس المدعى عليه الصعداء حتى فوجئ باستئناف هذا الحكم من زوج نادين، أمام محكمة الاستئناف الجزائية في الجنوب برئاسة القاضي ماجد مزيحم والمستشارين علي البراج ومازن عاصي. وهنا المشكلة، إذ «حكم القاضي» بفسخ القرار المستأنف والحكم مجدداً بحبسه مدة 6 أشهر، والاكتفاء بمدة توقيفه، ودفع غرامة قدرها 400 ألف ليرة إضافة إلى مليون و300 ألف ليرة عطلاً وضرراً للمستأنف. ولعل أول ما يتبادر إلى ذهن المتابع، في هذه الحال، هو ما تنص عليه المادة 182 من قانون العقوبات: «لا يلاحق الفعل الواحد إلا مرة واحدة». وما استغربه المتابعون في هذا القرار، هو خلوه من وقائع الحكم المستأنف، ما يمثّل سابقة جديدة، كذلك يصف هؤلاء تعليل القاضي بالـ«مريب والمثير للجدل»، إذ نفت الهيئة «وجود سبق ملاحقة لاختلاف المدعين في الدعويين ولكونه لم يصدر حكم قضائي». وبالعودة إلى تفسير القانون، فإن «سبق الملاحقة لا تشترط أن يكون هناك حكم قضائي مبرم بل يكفي أن تكون هناك ملاحقة عن جرم واحد مرتكب في محكمة أخرى، وكذلك اختلاف المدعين». برأي المتابعين، «من غير المنطقي أنه كل ما خطر في بال احد أفراد العائلة أن يقدم دعوى أمام محكمة ما وأمام فعل جرمي واحد، أن يصار إلى ملاحقته مجدداً، وهو ما يجمع عليه علماء القانون والاجتهاد والمنطق».
هكذا، لم يبق أمام المدعى عليه إلا «التمييز لعلة الخطأ الجسيم الذي ارتكبته المحكمة»، لكن، هذا الطريق يبدو مستحيلاً خصوصاً ان أوضاعه المادية سيئة، كما أكد، طارحاً هواجسه: «قد تعود والدتها أو أحد أفراد عائلتها للادعاء عليّ في طرابلس وبالجرم ذاته».