أمضى المدير العام السابق للأمن العام، اللواء جميل السيد، أكثر من ألف يوم وليلة خلف قضبان «مبنى المعلومات» في السجن المركزي، من دون أن يواجه بالقرائن التي دفعت المحقق العدلي الى اعتقاله. وبعد انتقال الاختصاص في قضية اغتيال الرئيس الحريري الى المحكمة الخاصة بلبنان في 1 آذار 2009، بقي السيد محتجزاً نحو شهرين لحين صدور حكم عن القاضي دانيال فرانسين في 29 نيسان 2009 رأى فيه أن المعلومات التي جمعت «لا تتمتع بالصدقية الكافية» لاتهامه بالضلوع في الجريمة.أن المحكمة التي تعترض ملاحقة متسببين في اعتقال غير مبرّر، ليست عادلة. هذا هو الامتحان الذي تخضع له المحكمة الخاصة بلبنان. لكن موقفها ما زال غامضاً بالنسبة إلى تسليم السيد المستندات التي تكشف اسباب اعتقاله.
تشير ثلاث نقاط شبيهة بزوايا مثلّث برمودا الى احتمال التلاعب بحقوق السيد تمهيداً لتضييعها. وعلى الرغم من نظريات المؤامرة لتفسير ضياع السفن والطائرات في مثلّث برمودا البحري، لا بدّ من شرح علمي موثّق.
الزاوية الأولى: صدر أول من أمس حكم عن غرفة الاستئناف جاء فيه أمر لافت للغاية بشأن مستندات المحكمة. فبعد الإشارة الى «أن التصنيف المناسب للمستندات لا يستند إلى عنوان المستند، بل إلى مضمونه ووظيفته ومصدره» جاء في النصّ أنه «بعد اطلاعها على عينة من المستندات، تبين لمحكمة الاستئناف احتمال وجود أخطاء في التصنيف». يتبين أن بعض المستندات تحمل عناوين لا تتناسب مع المضمون. ويعدّ ذلك تلاعباً في صياغة المستندات وتنظيمها، ومن بينها مستندات التحقيق، يفترض التحقيق في دوافع التلاعب. كما يستدعي ذلك إعادة تدقيق القاضي بجميع المستندات التي أحالها المدعي العام، بما فيها المواد المؤيدة للقرار الاتهامي؟ إذ يحتمل أن يكون بلمار قد أحال مستندات أخرى بعنوان يختلف عن مضمونها.
الزاوية الثانية: يدّعي القاضي فرانسين أنه يستند الى المادة 111 من قواعد الإجراءات والإثبات في قراره رفض تسليم السيد مراسلات بين بلمار والقاضي سعيد ميرزا، إذ جاء فيها «لا يجوز الكشف عن التقارير والمذكرات أو أي وثائق أخرى داخلية أعدّها أحد الفريقين أو مساعدوهما أو ممثلوهما وتتعلق بالتحقيق أو بإعداد الدعوى ولا يجوز تبليغها. ويشمل ذلك، بالنسبة إلى المدعي العام، التقارير والمذكرات أو أي وثائق أخرى داخلية أعدّتها لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة أو مساعدوها أو ممثلوها في إطار تحقيقاتها». لا بد من الإشارة أولاً الى أن المراسلات التي يطلبها السيد هي بشأن استمرار اعتقاله، وبما أن فرانسين أقرّ بأنه خارج الملاحقة القضائية فلا تتعلّق تلك المراسلات «بالتحقيق وبإعداد الدعوى». وإذا كانت المراسلات تتضمن معلومات عن التحقيق فلتحذف، وليُسلّم السيد الشق المتعلّق بخلاصة الرأي الذي عبّر عنه بلمار لميرزا بشأن الاعتقال.
الزاوية الثالثة: أن إحدى أبرز الحجج التي استند إليها موظفو المحكمة ومناصروها بهدف الإشارة الى عدالتها ارتكزت على قضية إخلاء سبيل السيد ولجوئه الى دوائر المحكمة لتحصيل المستندات. ورأوا في ذلك ترويجاً لصدقية المحكمة ونزاهتها، غير أن هناك لغطاً واضحاً في هذا الشأن: على الرغم من عدم وجود أسباب عادلة كافية للاعتقال، سجن الرجل نحو 4 سنوات. ولا تكون العدالة والنزاهة بتحريره من السجن، لكن بتحريره من الظلم عبر مقاضاة المتلاعبين بالعدالة لدواع سياسية. وفي ظلّ إصرار بلمار على حماية هؤلاء وبعد نشر وثائق دبلوماسية أميركية عرّفت عن الجانب السياسي لعمله، قد تكون غرفة استئناف المحكمة قد اضطرت الى عدم ردّ طعن السيد بهدف الحفاظ على ما قد يتمسّك به البعض للدفاع عن صدقيتها.