عكار | فُجع أهالي بلدة البيرة بمقتل عبد الرحمن يوم الجمعة الفائت. الشاب ابن العشرين ربيعاً كان قد عقد قرانه على ابنة بلدته نهار الخميس، قبل يوم واحد من وفاته. بدلاً من الاحتفال بعرسه، علّقت في ساحة البلدة وعلى مبنى المجلس البلدي صورته. وكتب عليها: «عبد الرحمن عريس البيرة». حدث ذلك عندما فوجئ السائقان فيكتور عوض من بلدة عندقت، ووليد عياش مختار البيرة بعبد الرحمن أثناء عبوره الطريق العام في بلدة البيرة على متن دراجته النارية، ما أدى إلى اصطدامه بالسيارتين ووفاته على الفور. سلّم السائقان نفسيهما بعد وقوع الحادث مباشرةً في الساعة الحادية عشرة ليلاً إلى فصيلة القبيات، فأُوقفا بناءً على أمر من المدعي العام، ونُقلا في اليوم التالي إلى قصر العدل في طرابلس، ثم إلى سجن القبة في اليوم الذي تلاه. غير أن أهل القتيل، يقيناً منهم بأن الحادث وقع قضاءً وقدراً، سارعوا إلى إسقاط حقهم في الادعاء على السائقين، ما أدى إلى الإفراج عنهما نهار الأربعاء. يسرد عم القتيل مختار البيرة ابراهيم حوا ظروف الحادث، شارحاً مبررات مسعاه الشخصي، لدفع والدي القتيل الى إسقاط الدعوى. الحادث «قضاء وقدر»، بل هو قدر أهل البيرة، يضيف المختار حوا، أن «يخسروا على مدى السنوات الخمس الماضية شاباً كل سنة». ففي العام الماضي توفي رائد نعمان (18 عاماً) صعقاً بالتيار الكهربائي في مبنى المدرسة الرسمية، وقبله قتل صهيب عياش (25 عاماً) على دراجته النارية بعدما صدمه باص متوجه إلى وادي خالد، ومنذ ثلاث سنوات قتل فتحي خليل (26 عاماً) بعدما صدمته سيارة مسرعة وقذفته مسافة عشرة أمتار، مع العلم أن إسماعيل، شقيق فتحي، كان قد توفي في ورشة بناء بعدما سقط من الطابق الحادي عشر.
من بين حوادث «الموت المجاني»، لأسباب متفرقة، يحتل الموت على الدراجات النارية ظاهرة لافتة تؤرّق الجميع. في تلك الحوادث، الجاني والمجني عليه، كلاهما ضحية. ولا تبدو في الأفق أي إجراءات فاعلة للحد منها. فعلى رغم من إصدار وزير الداخلية والبلديات مروان شربل قراراً بـ «منع نقل أي شخص ثانٍ على متن الدراجات غير المجهزة بمقعد خلف السائق، وبمداسات للأرجل وممسك للأيدي»، يعدّ مرور دراجة نارية على طريق الكواشرة قرب البيرة، وعليها ـــــ إضافةً إلى السائق ـــــ امرأة، وكمية من الأمتعة أحياناً، مشهداً مألوفاً، كما أنّه لا يدعو إلى الغرابة مرور دراجتين من دون لوحات، وسائقاها لا يضعان الخوذ الواقية، بل قد يكون على متن إحداهما السائق وخلفه شخص ثانٍ. وعلاوة على ذلك يتسابق سائقا الدراجتين على طريق البيرة القبيات رغم منعطفاتها الخطيرة، غير آبهَين بكثافة دوريات قوى الأمن، والقوة الأمنية المشتركة لضبط الحدود.
وفي سياق السؤال عن سبل مواجهة مخالفات سائقي الدراجات النارية برّر مصدر أمني الأمر بنقص عديد القوى الأمنية، وباستحالة «توفير رجل أمن لكل مفرق وزقاق». لذلك، ناشد نقيب عمال وعاملات «التريكو» في الشمال، محمد حوا، وزير الداخلية، «تكليف الشرطة البلدية بتحرير محاضر ضبط بحق المخالفين»، مشيراً إلى عجزه مثل غيره من فاعليات البلدة عن مطالبة البلدية باتخاذ تلك الإجراءات، مفضلاً صدور الأوامر من السلطات العليا «تجنباً للحزازات داخل البلدة».
موقف النقيب حوا ليس مستغرَباً في معظم البلدات العكارية، حيث تتحكم التوازنات العائلية في تركيبة المجالس البلدية، مما يعطل قدرتها على اتخاذ إجراءات زجرية بحق المواطنين ولو كانت في سبيل حمايتهم. هذا ما يؤكده حسن أبو عمشة، عضو المجلس البلدي في بلدة كفرتون، التي تشهد انتشاراً كثيفاً للدراجات النارية، وخصوصاً مع عودة النازحين في فصل الصيف، لكن أبو عمشة يرى أنّ «من الصعوبة بمكان فرض معايير موحدة في التعامل مع المخالفات، لأنه يتعذر على عدد كبير من الأهالي، بسبب سوء أوضاعهم المعيشية، الالتزام بالضوابط القانونية، وبشروط السلامة». وفي هذا السياق، أشار تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية (اليازا) في تقريره لعام 2010 إلى أن عدد قتلى حوادث الدراجات النارية بلغ 102 قتيل في العام المنصرم وحده، لكن التقرير لم يتطرق إلى «خصوصية» كل منطقة، وخصوصاً في عكار، حيث تزداد الحاجة إلى استخدام الدراجات النارية بسبب رداءة أحوال الطرقات من جهة، وصعوبة تنفيذ القوانين المرعية الإجراء بالنسبة إلى استخدام الدراجات النارية بسبب ارتفاع معدلات الفقر.
والأمر نفسه ينطبق على مجمل المخالفات في مجال السير. في عكار، تصول وتجول السيارات العاملة على المازوت من دون إجراءات جدية لمكافحتها. ويتحدث المواطنون في المنطقة عن «تواطؤ بين القوى الأمنية والسائقين». أما «تحليلات» المواطنين، فجلها يصب في اتجاه اتهام «تيار المستقبل ونوابه السبعة في عكار بالتقاعس عن ممارسة مسؤوليتهم في معالجة شؤون عكار الإنمائية»، تاركين الحمل الثقيل على كاهل «مؤسسات المجتمع المدني وحدها».