من أصل 1293 متعاطي مخدرات لجأوا إلى جمعيات متخصصة في معالجة الإدمان في عام 2009، لم يتمكّن 25% من تلقّي الخدمات. يعزى ذلك إلى بعد المسافة التي يحتاج المدمن إلى اجتيازها للوصول إلى مراكز العلاج، وعدم تناسب حاجات متعاطي المخدرات مع الخدمات المتوافرة، والكلفة العالية، والنقص في الطاقة الاستيعابية.الإحصاءات بينتها دراسة لمركز «سكون» للعلاج والوقاية من الإدمان في لبنان، هدفت إلى تقويم حاجات الأفراد الذين يتعاطون المخدرات والمراكز أو المؤسسات التي تتعامل معهم في مختلف المناطق اللبنانية. أُعدت الدراسة بالشراكة مع جمعية «عدل ورحمة» و«الشباب ضد المخدرات» وجمعية «العناية الصحية» و«شبيبة عليّة ابن الإنسان» و«سعادة السماء».
تستند الدراسة إلى مقابلات مع 394 شخصاً يتعاطون المخدرات و136 خبيراً يتعاملون مع هؤلاء، بالإضافة إلى الوزارات والمنظمات الأهلية والمستشفيات والقضاة ورجال الشرطة ومراكز الخدمات الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية.
أظهرت الدراسة أن معظم المتعاطين تراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، معظمهم رجال من الجنسية اللبنانية. كذلك أظهرت أنه بين 40% و60% من المتعاطين من ذوي المداخيل المحدودة، وأكثر من نصفهم لديهم وظيفة. ويبلغ متوسّط السنّ لبداية تعاطي المخدرات 16 عاماً. أما المواد الأكثر تداولاً فتبدأ بالأفيون ثم القنب يليه الكوكايين.
تبين الدراسة مركزية الجمعيات التي توفّر العلاج لمتعاطي المخدرات، فأربع منها تتمركز في جبل لبنان وثلاث في بيروت وواحدة في محافظة البقاع. وبالنسبة إلى المستشفيات التي تستقبل متعاطي المخدرات، تقع ستة منها في بيروت وأربعة في جبل لبنان. يسلّط هذا الواقع الضوء على حاجات المنشآت الصحية العاملة مع متعاطي المخدرات في محافظات الشمال والجنوب والبقاع. إلا أنّ طاقات مراكز العلاج التي توفّر الخدمات للمتعاطين محدودة، وهذه المراكز تستقبل غالباً المتعاطين الذكور. وفيما تجبر غالبية النساء على العلاج في العيادات الخاصة، تظهر الدراسة أن ٢ من أصل ٨ جمعيات قدمت خدمات للنساء، فيما تقدم جميع المستشفيات المتخصصة خدماتها للمتعاطيات.
في المقابل، تبين أن ٣ جمعيات توفر خدمات على مدار الساعة، فيما تقدم ٣ جمعيات خدمات تراوح بين ٨ و١٤ ساعة يومياً. وتراوح القدرة الاستيعابية لست جمعيات بين ٢٢ـــــ١٢٠ مريضاً في السنة. بينما تستوعب المستشفيات نحو ٢٠٠ مريض. اللافت أن الدراسة أظهرت تناقضاً في إجابات بعض العاملين لجهة القدرة الاستيعابية للمرضى. ويراوح معدل كلفة علاج المدمن بين ٦٠ – ٥٠٠ دولار في اليوم، بمعدل وسطي يصل إلى ٢٦٣ دولاراً.
من الناحية القانونية، أُوقف عام 2009 2228 شخصاً بتهمة تعاطي المخدرات وحسب، دون أية اتهامات أخرى ذات صلة بنتائج المخدرات. ونصف هؤلاء الأفراد تراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً. وأظهرت الدراسة أنّه سجن عدد كبير من متعاطي المخدرات بمعدّل مرّتين، وذلك لفترة يراوح معدّلها بين 49 و60 يوماً. بعد المحاكمة، صرّح نحو 40% من القضاة بأنهم لم يصدروا قطّ حكماً أولياً أو نهائياً يتطلّب من مدمن المخدرات الالتزام بمركز علاج، فيما صرّح 4% فقط بأنهم أصدروا حكماً مماثلاً.
تشدّد التوصيات الأساسية التي قدّمها الخبراء ومتعاطو المخدرات على الحاجة إلى تطبيق منهجي لقوانين المخدرات التي صدرت منذ ١٣ عاماً والتي تنصّ على أنّ الفرد الذي يتعاطى المخدرات يحق له الاختيار بين متابعة علاج أو دخول السجن. وقد طالب الخبراء ومتعاطو المخدرات بأن يميّز القضاء بين المتعاطي والتاجر، وأن يطبّق أنظمة أكثر صرامة على الاتجار بالمخدرات. كذلك شُدِّد على تعديل قانون المخدرات وإنشاء نظام إحالة للمتعاطين بين منشآت العلاج والقضاء. ودعوا أيضاً إلى زيادة عدد الخدمات والموارد المالية لمراكز العلاج، وتعزيز قدراتها وتنوّعها بهدف ضمان تغطية أفضل لكل الأراضي اللبنانية.
أتاحت هذه الدراسة استخراج عدد كبير من الوقائع التي ترشد توجه الجمعيات واستراتيجيتها في المستقبل. وتصنّف هذه التوجهات في عدة أهداف، أبرزها تحفيز مقاربة صحية للتوعية على المخدرات، وإنشاء نظام مراقبة المعلومات لرصد التوجهات والحاجات وعمليات التدخل الفعالة لتلبية هذه الحاجات، وتحسين المساعي الرامية إلى إصلاح السياسات ودعم مراكز العلاج، وذلك بهدف ضمان استجابة أفضل لتعاطي المخدرات في لبنان.