تطمح الهرمل الى أن تدخل سوق السياحة العالمية وتخرج من الحرمان اللاحق بها، لكن ينبغي أن تكون كل خطوة، في هذا الاتجاه، مدروسة بعناية، لكي لا تصبح هذه المنطقة، الفريدة، مجرد تكرار لبقية المناطق اللبنانية. ففي لبنان، تندر المناطق التي لم يدخلها الإسمنت من بابها الواسع ليحوّل محيطها البيئي والتاريخي والعمراني الى مشاهد مكررة. الإسمنت دخل الهرمل، لكنه لم يقتل هويتها... بعد. وتاريخ المنطقة لا يزال صامداً، الى حد ما. بيوتها الطينية الفريدة من نوعها في لبنان هي وجه من أوجه ثقافتها التي تميّزها. بناء هذه البيوت موروث ثقافي يجب أن يؤرّخ علمياً، وأن تُنتج أفلام وثائقية تشرح كيف تبنى هذه البيوت، وتسوق في المدارس مع كتيّبات عنها. وينبغي أن تدرس طريقة البناء هذه في الجامعات، وخصوصاً تلك التي تعنى بالهندسة، والتي تبحث دوماً عن طرق بيئية لمحاربة التغير المناخي. بيوت الهرمل يجب أن تدخل في كتب هندسة البيوت التقليدية اللبنانية، لأنها تختلف عن بيوت الطين في البقاعين الأوسط والغربي، وهي تختزن تراثاً غنياً يجب العمل على استثماره على نحو يضمن ديمومته ويدخله عالم السياحة.باختصار، تراث الهرمل يجب أن يأتي الى بيروت... يجب أن يقترب منها، أن يصبح مألوفاً لديها، فتذهب اليه. قد يرى البعض أن الهرمل غريبة، بطقسها وبيئتها الصحراوية وعاداتها وتقاليدها... ربما كان ذلك صحيحاً، الى حد ما. فالساحل والجبل لا يعرفان الفروق الحرارية الحادة، والصحراء ليست من المناظر الطبيعية المألوفة في المدن الساحلية، وبيوت الطين غريبة عن الجبال الصخرية. وقد تبدو عادات الهرمل غريبة عن شعب اختلط بالغرب واعتقد أنه اعتنق عاداته منذ أكثر من مئة سنة، لكن هذه المدينة، تمثّل صلة وصل قوي بين حاضر لبنان وماضيه. فهي حافظت على هويتها بأوجهها كلها، وهذا ما يغني تراث لبنان الى حد كبير. الهرمل هي، ويجب أن تكون، قيمة مضافة إلى خريطة لبنان السياحية والثقافية، لا البيئية فقط كما هي الحال الآن. لكن من المفترض أن لا تصبح السياحة الحل الوحيد لإنماء الهرمل، وإلّا لقتلت هذه المدينة نفسها وتاريخها. فالمناطق التي كرست نفسها للسياح وعملت على إرضائهم، غالباً ما خسرت هويتها وأصبحت مجرد منتجعات. السياحة في الهرمل يجب أن تكون واحدة من المقومات الحياتية، لا أبرزها. يجب أن يضع أبناء الهرمل برامجهم السياحية غير متكلين على الدولة ومؤسساتها. فالمناطق المحرومة منذ عقود لا تصبح، في سنين قليلة، مركز استقطاب لرأس المال والدعم، وعلى سلطاتها المحلية أن تنتبه الى أن من واجباتها الإنفاق على حفظ التراث واستثماره لتنمية مناطقها على المدى الطويل. إذا درست الهرمل ثقافتها وأرّخت عاداتها وأهّلت مواقعها الطبيعية والتاريخية والأثرية، ومنعت التعديات على أنهارها وينابيعها، فستدخل حتماً سوق السياحة اللبنانية والعالمية قوية بهويتها وفرادتها.