الروائح المنبعثة من البيوت في صور تنبئك بأن وجبة الطعام اليوم سمك. هنا، لا يمكن أن يخلو بيت من تلك الرائحة، بعدما تحول السمك طبقاً أساسياً «من لوازم المائدة في الصيف والشتاء، إلى جانب أطباقٍ أخرى، لأن كل الناس هون بحريي (صيادين)»، تقول أم جورج. وثمة ما تغير بين الأمس واليوم في طريقة تحضير السمك. في السابق، كانت السمكة التي يصطادها الصياد تسلك طريقها مباشرة إلى «التنكة». وهي عبارة عن «عبوة حديدية فارغة يثقبها الصياد من جميع الجهات، ويضع فيها السمكة بعدما يلفها بورقة سميكة (من نوع كيس الترابة)، ويشويها على الحطب في أسفل العبوة، ويأكلها مع إضافة قليل من الملح لها وأحيانا الحامض وعصير البوصفير»، تتابع أم جورج. كانت هذه «الترويقة» المفضلة، ولا تزال إلى الآن، ودخل إليها منذ فترة ليست بعيدة «السمك المقلي»، إذ أنه لم يكن منتشراً في حينها، بسبب قلة انتشار زيوت القلي حينها وعجز الكثيرين عن شرائها. ولأن البداية كانت مع السمك المشوي، فقد اعتاد الصوريون هذا الطبق أكثر من الأطباق الأخرى، إذ «يوفر عليهم تنظيف السمكة، أي برش قشرها ونزع رأسها وبعض اعضائها الداخلية»، يقول الصياد أبو عباس قصاب، مشيراً إلى أن «سر مذاق السمكة وفوائدها يكمن في أمعائها حيث تتجمع زيوتها ودهونها».
لم يقتصر الأمر على هذين النوعين من السمك، فالبعض طوّر الأطباق، فصنع كبة السمك التي تشبه طريقة صنع كبة اللحم، إلى جانب الشوربة المحضرة من السمك المقطع المسلوق «مضاف إليه الزيت والبصل وانواع الخضر المتوافرة والتوابل وأحياناً الطحينة والدقيق والخل»، تضيف أم جورج. وهناك أيضاً الطاجن الذي يحضر «من البصل المقلي مع الطحينة والزيت والحامض وقطع السمك». وإلى الطاجن والكبة، أضاف الصوريون إلى موائدهم الصيادية والتي «تحضرها النسوة من الأرز والسمك». تشرح أم جورج الطريقة «نقلي البصل ونضع فوقه طبقة من قطع السمك ثم طبقة من الأرز ومجدداً طبقة أخرى من البصل وتوضع على النار حتى تنضج». لاحقاً، أتبعت الصيادية بطبق الحرّيفة، أي السمكة الحرة، التي تصنع من سمك مشوي يصب فوقه مزيج مطبوخ من الطحينة والحامض والبصل والزيت والصنوبر والجوز المطحون والكزبرة والثوم والتوابل والفلفل الأحمر والدقيق.
لكن، كل تلك الأطباق لا تكتمل إلا بالمازة بدءاً من السلطات والبطاطا ومتبل الباذنجان والحمص وأحياناً المشروبات. هذا في المنازل، لكن ماذا عن المطاعم؟ هناك تطول لائحة الطعام، لدرجة يشعر معها الزائر بالحيرة من كثرة الاطباق التي يصنع كل منها من نوع محدد من السمك. فهناك طبق السردين مع الجبن وسمك موسى بالزبدة والسمك المسلوق وأقراص السمك وفطائر ويخنة السمك...