سجن رومية حكى أخيراً. ثورة نزلائه كشفت أسراراً كثيرة كانت رهينة زنازينه الباردة والمظلمة. «ثورة رومية» نبّهت المسؤولين من غفلتهم على قنبلة موقوتة تنبئ بحريقٍ هائل. تم احتواء التمرّد بقوة الحديد والنار. أُرغم السجناء على التراجع، لكنهم نجحوا في نقل السجن المركزي من الظل الذي بقي فيه طويلاً، الى «سلّم أولويات» المسؤولين، بحسب ما يُعلن هؤلاء. استُبدل آمر السجن، وجيء بالعقيد فؤاد حميد الخوري ليتولى إمرة السجن المركزي. تردد خوري عندما كُلّف المهمة، لأنها «من أصعب المهام».
لكن «ثقة المديرية ووازعاً داخلياً شجّعاني على قبول المهمة»، هو الذي يرى في نفسه «حامل رسالة يود مساعدة السجناء على الخروج من حال التمرد والغضب التي يعيشونها إلى إنسانيتهم»، فالسجناء «جزء من المجتمع وتأهيلهم يرتقي به»، وعلى أي مجتمع ان «يتوقع ازدياد نسبة الجريمة مع خروج كل سجين ممن قضوا محكوميتهم، مزوّداً بغضب يضاعفه إحساسٌ بالذل والمهانة. فالسجناء لم يخضعوا للتأهيل وفق ما يقتضيه دور المؤسسة العقابية»، لذلك، بحسب خوري، فإن «السجين يخرج حالياً إلى المجتمع وقد نمت بذرة الإجرام فيه بدل
استئصالها».
يسترجع خوري فصول اقتحام السجن أخيراً. يقول: «نتيجة أعمال الشغب كانت مدمّرة مادياً ونفسياً على السجناء والعسكريين على حدّ سواء».
اكتشف أن الخطر الداهم في السجن «أمني بامتياز، لا سيما بعد المعلومات عن أسلحة في حوزة السجناء». أمر بتفتيش عام للسجن، والنتيجة: «ترسانة من السكاكين والسيوف والشفرات والحبوب المخدرة وحبال الهروب».
«التفتيش كان الخطوة الأولى على درب إعادة الإمساك بزمام الأمن في السجن»، قبل أن يُجري الآمر الجديد مناقلات للسجناء، فرحّل 14 سجيناً كانوا «قادة أعمال الشغب»، كما نقل «50 سجيناً مشاغباً» إلى المبنى «هـ» تأديبياً.
خطط ومشاريع كثيرة يرسمها خوري «للنهوض برومية»، إذ «إن الخطأ الجسيم الذي يرتكبه مدير السجن هو أن يفكر برفع أسوار السجن فقط، من دون إيلاء أي أهمية للتفاصيل المعيشية لنزلائه».
يطمح العقيد الى تحويل رومية إلى «سجن نموذجي»، مقراً بأن «التخصص في إدارة السجون ضرورة، عبر إخضاع الضباط لدورات تخصصية في العلم الجرمي وعلم النفس والعلوم الأمنية»، وهو ما ليس معمولاً به. لكنه يؤكد أنه تابع «دورات رديفة في هذا المجال بانتظار الدورات التخصصية».
في اللقاء مع خوري تتزاحم الأسئلة: كيف يقضي السجناء وقتهم وما الذي استجدّ بعد «الثورة»؟ أين وصلت عملية الترميم؟ أين يُعالج السجناء بعد احتراق المركز الطبي وما هي حقيقة ما يشاع عن «إجراءات انتقامية» في حق بعض السجناء، وعن إهمال صحي وتفشّ للأمراض؟ هل لا يزال هناك سجناء لا يساقون إلى المحاكم؟
الأسئلة التي تجد تبايناً في أجوبتها بين سجين وآخر، تأتي ردود العقيد عليها «وردية». لا يخفي «فخره» بأنه «بات يمكن الحديث عن مرحلتين في تاريخ رومية: ما قبل الاقتحام وما بعده».
يؤكد أن «العمل المتواصل للنهوض بالسجن حسّن الأوضاع بنسبة ثمانين في المئة».
يشير الى قرار باستحداث أربعة مراكز طبية، وإلى أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في صدد تطويع أطباء جدد بعد انسحاب عدد من الأطباء نتيجة ضغوط تعرّضوا لها». ويوضح: «هناك مداومة طبية بمعدل طبيبين كل ليلة».
وفي ما يتعلّق بالطعام، فإن «المطبخ الجديد بدأ بتقديم الطعام منذ أسبوع ليس لنزلاء رومية فقط، بل لعدد من السجون الأخرى أيضاً». أما مشكلة سوق السجناء «فأوليت الاهتمام الأكبر بالتوازي مع بت إخلاءات السبيل وتسريع القضاة لأحكامهم»، ليخلص الى «أن المشكلة انتهت كلياً. فكل السجناء يساقون باستثناء المرضى منهم».
ويلفت الى أنه «أعيد تفعيل النشاطات الرياضية في سجن المحكومين بانتظار بقية المباني، إذ إن الرياضة هي المتنفّس الوحيد للسجين ويجب تشجيعها».
وتبدو طموحات العقيد بلا حدود وهو يتحدث عن مشروع «لممارسة السجناء للتأمل التجاوزي (نوع من اليوغا)، خصوصاً أن الدراسات العلمية أظهرت الآثار الايجابية لهذه الرياضة على المستوى النفسي للسجين»، وإذا وافقت الإدارة «فسنحضر خبراء لتدريب السجناء مجاناً».
يؤكد خوري أن دخول المخدرات إلى السجن «تراجع كثيراً»، والفضل في ذلك يعود إلى أوامر التفتيش المشددة التي أعطاها، والتي تشمل تفتيش «كافة العناصر والرتباء والضباط، وأنا شخصياً، في كل مرة يدخلون فيها إلى السجن».
لكن ماذا عن إبقاء 50 سجيناً في السجن الانفرادي (المبنى هـ)؟ يؤكد أن هؤلاء «يحصلون على معاملة أفضل من غيرهم لجهة النزهة والمواجهات مع ذويهم»، ويكشف أن العدد انخفض إلى 40 «يزورهم اختصاصيون لمتابعة حالتهم نفسياً».
وهو يرى أنه «إذا تمكنا من السيطرة على هؤلاء الموقوفين من مثيري الشغب فإن ذلك سينعكس إيجاباً على بقية السجناء، فيتحول هؤلاء من مثيري شغب إلى أعوان
للقانون».
تخلص من اللقاء مع العقيد الى تخيّل مستقبل وردي لواحد من أكثر السجون بؤساً: «حال رومية اليوم هي الأفضل من أي وقت مضى»، «وفترة 6 أشهر أخرى من العمل المتواصل ستكون كفيلة بأن تنهي كل
مشاكله».



سيرة

«أنا إنسان مؤمن». جملة يرى فيها العقيد فؤاد حميد الخوري سر نجاحه. آمر السجن المركزي ليس ضابطاً في قوى الأمن فحسب، بل رسام لديه العديد من اللوحات. حائز على شهادة الدراسات العليا في التاريخ ويمارس التلحين ويعزف على آلة الأورغ الموسيقية. كذلك هو بطل في عدة رياضات قتالية وحائزٌ على بطولات عالمية. لدى العقيد خوري رصيد خدمة في قوى الأمن الداخلي يصل إلى 28 عاماً تابع خلالها أكثر من 40 دورة أمنية وعسكرية. تنقّل بين عدد من المراكز آخرها مكتب مكافحة السرقات الدولية الذي قضى فيه ثلاث سنوات.