يئس شربل غوش فقرر الانتحار. أراد إنهاء حياته بعدما فشل في العثور على شقيقه طوني المفقود منذ 12 عاماً. طرق شربل أبواباً كثيرة، طالباً المساعدة. منّى النفس بأمل عودة شقيقه بعد غيابٍ طال أمده. فلجأ إلى القضاء ليعيد فتح الملف العالق. قصد وزير الداخلية زياد بارود ومعظم الوسائل الإعلامية. أخبرهم عن جريمة عمرها من نصف عمره، مرتكبوها معروفون، لكنهم لا يزالون طليقين خارج قضبان العدالة. كثّف جهوده وأعاد الادّعاء عليهم. أرادها معركة حتى العظم في وجه «مجرمين» محتملين حرموا والدة من رؤية ولدها فقتلتها المرارة. توفيت دون أن تراه، حالها حال والده الذي قضت عليه اللوعة. لكن محاولاته جميعها باءت بالفشل. فلا أدلة تُثبت ما ادّعى، كما أن التدخلات السياسية كانت تقف له بالمرصاد وفق ما ذكر. أمام هذا الواقع، قرر شربل الاستسلام. كتب على صفحة الفايسبوك الخاصة به، أول من أمس، أنه سيقابل شقيقه طوني أخيراً. أخبر أنه تناول كمية من حبوب الدواء وأنه سيموت خلال عشرين دقيقة. تواصل مع أحد أصدقائه طالباً منه كتابة قصّته ليعلم الجميع لماذا انتحر. تمنّى له حياة جميلة قبل أن ينقطع الاتصال به. أبلغ الصديق القوى الأمنية بمحاولة أحدهم الانتحار لتبدأ معركة أخرى. معركة إنقاذ الشاب الذي كان اتصاله بمثابة نداء استغاثة. شُغلت القوى الأمنية طوال ساعات الليل بمحاولة العثور على منزل شربل. كذلك شُغل زملاؤه على الفايسبوك بمحاولة ثنيه عن فعلته. كل الجهود المبذولة لم تُفلح، فالقرار كان قد اتُّخذ. لم يقابل الساعون بأي رد فعل. الدقيقة كانت ثمينة. القوى الأمنيّة استنفرت محاولة الاتصال بشربل الذي لم يكن يجيب على هاتفه. أُعلن نداء استغاثة عبر إحدى القنوات المحلية. يُرجى ممن يملك أي معلومة عن مكان إقامة شربل إبلاغ القوى الأمنية بها. نجحت الجهود فعثر على شربل وأُدخل إلى المستشفى وهو يعاني من شبه غيبوبة. أُجري العلاج اللازم له قبل أن يخرج أمس. يذكر أن أثر طوني غوش فُقد بعدما كان على متن باخرة لبنانية متوجهة من لبنان إلى إسبانيا قبل اثني عشر عاماً. دخلت الباخرة «ماري» التي تحمل علماً لبنانياً مرفأ ويلبا الإسباني صباح السابع من شهر تشرين الأول عام 1999، وعلى متنها 23 بحّاراً لبنانياً فُقد منهم واحد، ولا يزال مصيره مجهولاً. في صباح ذلك اليوم، الذي يحفظ أفراد العائلة تاريخه جيّداً، كانت المرّة الأخيرة التي شوهد فيها طوني. حينها، أفاد أحد البحّارة بأنه شاهده في غرفته. بحث زملاؤه عنه فلم يجدوه. بدأت عمليات بحث واسعة دون أن يُعثر على أي أثرٍ له. لم يُعرف إن كان قد فُقد في عرض البحر قبل أن ترسو السفينة في المرفأ أو أثناء عملية الرسو. أُرسل تلكس من بحرية ويلبا إلى قسم الاهتمام بشؤون الأجانب في دائرة الشرطة الإسبانية في المنطقة، للإبلاغ عن اختفاء أحد أفراد الطاقم. في هذا السياق، يذكر القبطان نخلة ز. في إفادته لدى قوى الأمن الداخلي أن عمليات البحث استمرت سبعة أيام. لكن أحد البحارة، الشاهد نقولا س.، ناقض إفادة القبطان، فذكر خلال التحقيق أنه لم يجر أي تحقيق عند اختفاء طوني، نافياً أن يكون الأنتربول الإسباني قد حقّق معه أيضاً. شربل لم يهدأ حتى اليوم. لا يزال يتعلّق بخيوط أمل قد تكشف مصير شقيقه المفقود، أمل مُنتظر قد يُحقّ الحق لينال المجرم عقابه.