بينما كان المحامي صلاح المصري يتسوّق داخل أحد المتاجر الشهيرة في بيروت، تناول علبة جبنة من إحدى الماركات الشهيرة ووضعها في عربته. وصل إلى صندوق المحاسبة، وبالصدفة، لاحظ أن العلبة منتهية الصلاحية منذ نحو 6 أشهر. راجع المسؤول في المتجر بالموضوع، فوعده بملاحقة الأمر ولكن من دون أن يتوصّل إلى نتيجة.
إثر ذلك، توجّه المحامي إلى القضاء، وتقدم بشكوى طلب فيها تعويضاً بقيمة ليرة لبنانية واحدة فقط. نتيجة لهذه الشكوى، توجّه أحد المراقبين في مديرية حماية المستهلك إلى المتجر، وأجرى كشفاً على صالة العرض المذكورة في الشكوى. وجد 6 علب جبنة منتهية الصلاحية، فضبطها، وسأل المسؤول في المتجر عنها. لم يجد هذا الأخير تبريراً لهذه المخالفة التي يُعاقب عليها القانون، سوى القول إن «المستخدم المختص لم يتنبّه إلى إزالة تلك العلب، بسبب كثرة الأصناف المعروضة للبيع». دوّن المراقب هذه الإفادة وخرج. توجّه بعدها إلى مقرّ الشركة التي تستورد الأصناف المضبوطة، فلم يتبيّن له، بعد جولة تفتيش، وجود أي سلعة غذائية منتهية الصلاحية. إثر ذلك، ادّعت النيابة العامة الاستئنافية في القضية، وبدأت جلسات المحاكمة لدى القاضي المنفرد الجزائي في بيروت ميرنا كلّاس. طلب وكيل المتجر المدّعى عليه إبطال التعقبات، مدلياً بأن المسؤولية «تقع على عاتق الشركة المستوردة للبضائع». فات الوكيل أن «كبسة» تفتيش كانت قد طالت الشركة التي ذكرها، ولم يتبيّن وجود مخالفات. وفي القانون، رأت القاضية أن فعل المتجر المدعى عليه، بصفته المعنوية، يُمثّل عناصر المادة 109 من قانون حماية المستهلك، معطوفة على المادة 210 من قانون العقوبات، لناحية «حيازة المواد المنتهية الصلاحية»، وأن الإدلاء خطأ مردّه إلى الشركة المستوردة، فضلاً عن عدم ثبوته، لا يُبرر حيازتها البضائع، وهو عمل مُجرّم، ولا يحجب عنها المسؤولية الجزائية.
بناءً على ذلك، صدر الحكم القضائي بتغريم المتجر بمبلغ 15 مليون ليرة لبنانية، وبردّ مطالب المدّعي لانتفاء صفته، تبعاً لانتفاء الضرر الشخصي اللاحق به. هكذا، تُلخّص وقائع هذا الحكم القضائي مسيرة الشكاوى التي تُحال على القضاء، بعد مرورها بمديرية حماية المستهلك، علماً بأن كثيراً من المواطنين المتضررين لا يعلمون أين تنتهي تلك الشكاوى لدى القضاء، وخصوصاً أن بعضاً منها «يضيع ولا يعلم أحد عنه شيئاً، ما يوجب المتابعة باستمرار». هذا ما أكّده أحد المسؤولين في مديرية حماية المستهلك لـ«الأخبار». بيد أن المسؤول يُشدد على «عدم التدخل لدى القضاء، أو في ماهية الأحكام الصادرة عنه في قضايا الغش وحماية المستهلك»، لكنه يلفت في المقابل إلى «وجود موظفين لدى المديرية، متخصصين في متابعة هذه الشكاوى قضائياً، ولديهم لوائح مرقّمة ومؤرشفة بعدد الشكاوى وأسماء أصحابها بغية متابعتها حتى النهاية». يتفق المسؤول مع عدد من المحامين الذين ينتقدون بعض الأحكام القضائية في هذا الإطار، لناحية تدنّي قيمة الغرامات في عدد كبير منها، داعياً إلى «مزيد من التشدد مع المخالفين بغية دفعهم إلى عدم تكرار مخالفاتهم، التي لا يُستهان بها، لكونها تمس صحة عامة الناس وسلامتهم».
من جهتها، ترى المحامية ميريانا برّو أن الغرامات بحق المتاجر «يفترض أن تُرفع قيمتها أكثر، فبعض الأحكام تصدر بحق أصحاب متاجر مشهورة ولديهم ثروات ضخمة، فإن كانت الغرامة بقيمة 5 ملايين ليرة فقط لا يمكن عدّها عقوبة زجرية، لكونهم يستطيعون دفعها بكل سهولة ولا يشعرون بأن ثمة عقوبة قد طالتهم، فالغاية من العقوبة يفترض أن تكون لدفع المخالف إلى عدم التكرار».
إلى ذلك، تُذكر قصة حصلت أمس، بدت كطرفة، حيث كان أحد القضاة يخبر صديقه عن تناوله طعام الغداء (الدسم جداً) في أحد المطاعم الشهيرة في منطقة الأشرفية. فاجأه صديقه بالقول: «يا مسكين، ألا تعلم أن ذاك المطعم قد صدر بحقه في الآونة الأخيرة حكم قضائي نصّ على معاقبة صاحبه بدفع غرامة قدرها 5 ملايين ليرة، بعد ضبط كميات من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية لديه؟». صُدم القاضي من الخبر، وقال لصديقه: «الله يسامحك، ما لقيت تخبرني هالخبرية إلا هلأ، كنت أنتظر لحتى هضّم الأكلات». هكذا، لا يبدو أن خطر الأغذية المنتهية الصلاحية (التي يمكن تسميتها أي شيء إلا أغذية) تستثني أحداً، فهي تطال الفقير من خلال المعلبات التي تصل إلى منزله، وتطال كذلك ميسور الحال، أو حتى أصحاب الثروات الكبيرة، الذين يقصدون أفخم المطاعم، ظناً منهم أنها آمنة، فيما «التسمم» يمكن أن يكون فيها أكثر من غيرها.



250 مراقباً

أوضح مسؤول في مديرية حماية المستهلك لـ«الأخبار» أن السنة الماضية كانت أفضل من سابقاتها في الحد من عمليات الغش، ويُردّ ذلك إلى زيادة عدد المراقبين والمفتشين الذين أصبح عددهم 250 شخصاً بعدما كان عددهم لا يتجاوز 35 شخصاً فقط. وعمّا إذا كانت المخالفات تنتشر في مناطق أكثر من سواها.
أكّد المسؤول أن «لا استثناءات على هذا الصعيد، فقد وجدنا مخالفات في جميع المناطق، وعلى عكس ما كان البعض يتصور لناحية وجود مناطق محمية تنتشر فيها المخالفات على نحو واسع، تبيّن لنا أن الفاعليات الشعبية والأهلية حاضرة للتعاون معنا، فهم يعلمون أن المتضرر الأول هم أنفسهم وأهلهم».



المواد الغذائية الفاسدة «خطر شامل»

قبل نحو 3 سنوات، توفّي طفل وأصيب عدد من المواطنين بحالات تسمم في محيط منطقة طرابلس. وبنتيجة التحقيقات والاستقصاءات، أوقفت القوى الأمنية المواطن ز.ح. وهو صاحب معمل لصناعة الحلويات، بعد الاشتباه في استخدامه مواد منتهية الصلاحية في منتجاته. وأوقف كذلك المواطن م.ع. بعد الاشتباه فيه بتوزيع حلويات فاسدة في منطقة أكروم، ما أدّى إلى انتشار حالات التسمم. لم يُعلم بعدها ماذا حل بالشخصين المذكورين، أو إلى ما آلت إليه التحقيقات معهما، علماً بأن بعض المحامين والمتابعين للشؤون القضائية يُصرون على كشف هذه الحالات للرأي العام، لكون المسألة تشبه «الخطر الشامل، بحيث يمكن أن يموت في بعضها طفل، ويمكن أن يموت في حالات أخرى 10 أطفال أو أكثر».