أكثر من ستة أشهر مرّت على تقديم طلب إخلاء سبيل للموقوف عادل (اسم مستعار)، بجرم السرقة المنسوب إليه، وعلى مدة توقيفه التي ناهزت السنة، ورغم ذلك فإن الهيئة الاتهامية في صيدا لم تتوصل حتى اللحظة إلى قرار فصل في هذا الموضوع لا إيجاباً ولا سلباً. هكذا يبقى مصير توقيف عادل، أسير سير عمل الهيئة الاتهامية، ومعه عشرات الملفات والطلبات التي تنتظر الإفراج عن مصيرها العالق لدى هذه الهيئة. «التأخير غير المبرر لم يعد يطاق»، يشرح المحامي الياس الترك مستاءً من «التأخّر في بت الملفات لدى هذه الهيئة الذي يستغرق أحياناً سنة ونصف سنة، فيما يجب ألّا يتعدى ذلك ثلاثة أشهر كحد أقصى، وإلّا فسنكون أمام خلل في سير عمل المحكمة». يذكر الترك أنه «ينبغي أن تجري التحقيقات على نحو سريع ووافٍ، فإما أن تُعلَن براءة المدعى عليه، أو يسطَّر قرار اتهامي بحقه فيحال على محكمة الجنايات إذا كان الجرم يمثّل جناية، أو لدى القاضي المنفرد الجزائي في حال الجنحة». ويلفت المحامي الترك إلى أن ذلك يمثّل «مخالفة صارخة للمادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على أنه لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين، باستثناء حالة المحكوم عليه سابقاً، وفي الجنايات لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف ستة أشهر ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً». في المقابل يعزو قاضٍ التأخّر في بت الملفات لدى الهيئة الاتهامية في صيدا، إلى كون المستشارَين فيها أساساً منتدبَين لدى غرف أخرى في المحكمة، إذ إن أحدهما منتدب قاضياً منفرداً مالياً وتجارياً في صيدا، والآخر مستشاراً في الغرفة الخامسة لدى محكمة الاستئناف في صيدا أيضاً، وفي ظل كثرة المهمّات يستحيل على الهيئة أن تنجز العمل المطلوب منها، وهو ما يبطئ العمل ويؤخر الملفات. ويلقي المسؤول القضائي اللوم على التشكيلات القضائية التي «لم تلبِّ طموح الإصلاحات القضائية، بل أسهمت إسهاماً كبيراً في مضاعفة هذا الخلل، الذي لا يعتري فقط عمل هذه الهيئة القضائية، بل أيضاً الكثير من المحاكم، ولا سيما في محافظتي الجنوب والنبطية». وينفي القاضي المذكور أن تكون المشكلة في «عدد القضاة، بقدر ما هي مشكلة في سوء توزيع المهمّات التي أفرزتها التشكيلات القضائية الأخيرة».
وإذا كان القاضي يعزو سبب شلل عمل الهيئة الاتهامية في صيدا إلى ما أفرزته التشكيلات، فإن رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان المحامي نعمة جمعة يذهب أبعد من ذلك في تعليله للموضوع، كاشفاً عن مشكلة في توزيع المهمّات داخل الهيئة، فغالباً ما تثار إشكالية «من يقرر؟ فالرئيس يمسك بزمام القرار، فيما يبقى دور المستشارين منقوصاً».
من هنا وفي ظل شلل عمل الهيئة الاتهامية، يبقى، بحسب المحامي الياس الترك، أمر «تفعيل عمل التفتيش القضائي، هو الأساس في سيرورة العمل القضائي، ويكون ذلك عبر التنسيق بين نقابة المحامين في بيروت وهيئة التفتيش القضائي، لدرس أداء كافة المحاكم، والمحاسبة في حال التقصير».
يشار إلى أنّ القانون حدّد طريقة إحالة الملفات من قاضي التحقيق على الهيئة الاتهامية. ففي حال اعتبار قاضي التحقيق أن الفعل المدعى به يمثّل جناية، يحيله عبر النيابة العامة على الهيئة، التي بدورها تصدر أحد القرارات الاتية: إما قراراً بمنع المحاكمة عن المدعى عليه وإطلاق سراحه، إذا تبيّن أن الفعل المسند إليه لا يمثّل جرماً، وإما اعتبار الفعل جنحة، فتحيل الملف على القاضي المنفرد الجزائي، وإما إصدار قرار باتهام المدعى عليه، وبالإحالة على محكمة الجنايات إذا كان الوصف جنائياً، فتصدر مذكّرة إلقاء قبض بحقه.