على مرّ السنوات، وبحكم الجيرة ثم النكبة واللجوء، نتج بين المطبخين اللبناني والفلسطيني تلاقح غذائي أثرى المطبخ اللبناني المحلي. فقد حمل الفلسطينيون معهم إلى لبنان خبز «الكماج» الذي كان يخبز على الطابونة، فيما كان الجنوبيون يصنعون الخبز المرقوق على التنور. كذلك، انتشرت في الجنوب «اللزقيات» الفلسطينية، اي قطع الخبز التي تخبز على الصاج وتحشى بالسمن والقطر. كذلك ظهر المسخّن، وهو فطائر خبز الطابون المحشوة بالدجاج والسمّاق والزيت والفلفل والبهارات والبصل. وحتى مناقيش الصعتر بالزيت، التي يفتتح معظم الناس نهارهم بها، هي أيضاً فلسطينية الأصل.ومن الأطباق الفلسطينية البارزة التي دخلت التراث الغذائي اللبناني: لبن المخيض او لبن العيران الذي اكتسب اهالي صلحا صنعه على الطريقة الفلسطينية، في خضاضية الفخار، اي الجرة التي يوضع فيها اللبن الرائب ويخضّ لساعات طويلة حتى يصبح كالمخيض الاصفر الذي تصنع منه الزبدة والسمنة لاحقاً. وبحسب المسنّين، كان اللبن المخيض رفيق المائدة، لا سيما الولائم الكبيرة والاعراس، على أساس أنه كالعصير. واذ كان المخيض يقدّم الى جانب المناسف، أي الأرز واللحم المسلوق والمقطع «هناديف»، فقد كانت تصنع منه أيضاً أطباق، منها لبنية الأرز ولبنية القمح والبليلة التي كانت تعدّ شراباً مرطباً يستعين به الفلاحون على قضاء يومهم الطويل في الحقل.
حتى الطبق اللبناني الشهير، المجدرة، ينسب اصله إلى الجليل، وقد اتخذ اسمه من شكل العدس المجدر في البيدر عند موسم الدراسة. وكان الفلاحون يصنعونها في الحقل خلال مواسم الحصاد، من العدس والبرغل والبصل المقلّى بالزيت الى درجة الاحمرار. وهناك أيضاً الأرز بالعدس او المدردرة والبربورة التي تصنع من القمح والحمص المجروشين بعد سلقهما، قبل أن تقدم مع البصل المقلّى بالزيت. ومثل الحمّص والبرغل، يمثّل الفول عاملاً مشتركاً بين الكثير من الأطباق مثل البصارة التي تصنع من تقلية البصل والثوم والكزبرة التي تضاف إلى الفول المسلوق ثم المجروش بعد طحنه ووضعه على النار مع الملوخية المفرومة، إلى أن يغلي المزيج كله.
كذلك، لا تزال الكثير من النساء يطبخن المغربية على الطريقة الفلسطينية، أي «المفتولة». وتقوم هذه الطريقة على «ترنيخ» السميد الخشن (أي نقعه) مع البهارات بالماء حتى ينفش. ثم يفتّل دائرياً على مسطح خشبي او حديدي مغطّى بالطحين، فيتحول السميد الى كرات مفتولة. على جانب آخر، يطبخ الحمّص واللحمة والدجاج وكرات البصل مع البهارات في طنجرة تغطى بمصفاة وضعت فيها الكرات المفتولة بعد أن يذوّب عليها قليل من الزبدة. ومن البخار المتصاعد من الطنجرة، تستوي الكرات.
6 تعليق
التعليقات
-
صور للأكلات المذكورةشكرا لآمال على هذه الإضافة الرائعة، مع أننا في الجليل نعتبر أن فلسطينية هذه الأكلات أمر مفروغ منه...
-
امة عربية واحدة ذات مجدرة خالدةالله يخليك استاذ محمد علي المجدرة عدس وبرغل وكلاهما غني بالحديد وما بيعمل كوليستيرول. ولكن ربما هناك ايضا وجهة نظر في المجدرة بعدس وسميد. التجريب واجب مع انه اكلة السميد او السميدة وفيها سميد وبصل وفلفل وهي اكلة من الجليل ايضا وتؤكل في نواحي بعلبك الهرمل وهي اكلة طيبة ومغذية ولا بد ان اهل الجنوب يعرفونها. يا عمي نحن اهل يعني لانه سايكس وبيكو رسموا خط على خريطة صرنا شعوب متفرقة. ما تجمعه هذه الامة بدينيها المسيحي والمسلم وتاريخها ومستقبلها المشترك لا يمكن ان تفرقه اية قوة استعمارية في العالم. وبيننا وبينهم المجدرة وسلطة وكم راس فجل وسنرى من يسكسب في الاخر،الهامبرغر او المجدرة. اكيد المجدرة لانها رخيصة وكويسة وبنت ناس، لانها بنت البلد.
-
اعشق نكهة صحيفة الاخبارشكرا لكم على هذه الاضاءة المميزة .موااااااااه
-
وامجدرتاه !!!أطيب أكله بالعالم طلعت فلسطينية!!! أين سأخفي وجهي من اصدقائي الفلسطينيين بعد أن طبلت رؤوسهم بأنها اكلة متواليه وأن الحديد الموجود بالعدس والسميد هو ما يجعل مقاتلي حزب الله شديدي البأس...سأحتاج لبعض الوقت لتجاوز الصدمة. على كل حال، شكراً أستاذة امال، ومع هذا الدرس سأغير الموال...
-
هذا صحيحشكراً آمال على هذا المقال الشيق وأؤكد على ما ذكرته حيث إنني من قرية جنوبية حدودية حيث العديد من العادات مشتركة مع جيراننا من الفلسطينيين (وبخاصة طريقة طهي المغربية). كانوا جيراننا وسيبقون كذلك. عائدون إن شاء الله