الفرحة عارمة. إنه يوم التراث الوطني والدخول إلى المواقع الأثرية مجّاني. فلنجتحْها! ذلك يبدو شعار عشرات أو مئات المدارس والأفراد، الذين يأخذون من مجانية الدخول عذراً لتنظيم رحلات إلى المواقع الأثرية. فباستثناء بعلبك، رسوم الدخول إلى المواقع الأثرية للبنانيين لا تتعدى ألفي ليرة، لكن يتداخل هنا مبدآن: «كل شي ببلاش كثّر منو»، وتعريف الأولاد بتراثهم. هذا الهدف، الثاني، النبيل، غالباً ما يتحول إلى رحلة ترفيهية هدفها الهروب من الصف والدروس. فيفرح الصغار في المواقع، ويبدأون الركض بين الآثار، ويلتقطون صوراً بعضهم لبعض قرب القلاع والنواويس والأعمدة. كان مبدأ النهار التربوي أن يتعرفوا إلى تراثهم، الفعل أنهم يمرحون! فالمواقع الأثرية من دون شرح ليست إلا أكواماً من الحجارة الرائعة الجمال، لكنها ميتة، ومن دون أن يخبر أحدهم قصتها، فإنّ أهميتها لا تتعدى كونها جميلة.لذا، بما أن وزارة الثقافة وكل ناشطي اليوم الوطني للتراث مهتمون بتثقيف الشعب وتعريفه بتاريخه، كان الأجدر، بعد أكثر من عشر سنوات من تكرار المشاكل، أن يؤمّنوا مع الدخول المجاني مرشدين سياحيين. يمكن أن تنظم الرحلات إلى المواقع الأثرية والمتحف الوطني، فهذا ما يحدث في دول العالم. تتصل المدارس أو المجموعات التي تود زيارة الموقع، ويُحدَّد لها موعد مع مرشد سياحي. يأتون، ينتظرون دورهم ثم يزورون الموقع مع المرشد، الذي سيقود خطاهم بعيداً عن المعالم. فلو زار أحدنا المواقع أو المتحف الوطني أيام التراث لكان قد رأى بأم العين ماذا يجري على الأرض. في جبيل، يركض التلاميذ في الآثار، يقفون على النواويس... في صور ينسون الممرات ليدخلوا المقابر... وفي بعلبك يقتلعون الأزهار.
أما في المتحف الوطني، فحدّث ولا حرج. الصغار منهم يجلسون على حافة التماثيل حينما يتعبون، يمسّون التماثيل الرخامية، يتّكئون على واجهات العرض، ويسيرون بين القطع كمن يسير في حديقة. بالطبع، ويحاول الموظفون في المتحف والمواقع (الذين يعدّون يوم التراث كابوساً) أن يوقفوا ويحددوا هذه الأعمال، لكن كيف يمكنهم ذلك وعدد التلامذة والزوار يزيدهم بالمئات؟ إنها المهمة المستحيلة، لكن لماذا لا يؤتَى بطلاب الجامعات، هؤلاء الذين يدرسون الإرشاد السياحي ليساعدوا في أيام الضغط هذه، ويكون هذا بمثابة فرصة تدريب لهم؟
مما لا شك فيه أن يوم التراث ضروري جداً، فالديناميّة التي يعطيها للمواقع لا مثيل لها طيلة أيام السنة، لكن من الضروري أيضاً أن ينظَّم تنظيماً حضارياً. لوزارة السياحة لوائح مفصلة بكل المرشدين السياحيين في لبنان، ألا يمكنها أن تشارك في الحدث وتتكفّل ببدل أتعابهم، شرط أن يحضر عدد منهم إلى المواقع لكي يقودوا الجموع بحسب المواعيد؟
هذا ما يحدث في أي دولة متحضّرة تنظّم أيام التراث، إيماناً منها بأن أي زيارة لموقع أثري أو تراثي أو متحف تجري من دون شرح هي زيارة ترفيهية أولاً، والغنى الثقافي منها محدود جداً.